لأجل بيتي الذي هو خراب، وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته، لذلك منعت السموات من فوقهم الندى، ومنعت الأرض غلتها، ودعوت بالحر على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت، وعلى ما تنبته الأرض، وعلى الناس، وعلى البهائم. (حجي، 1: 96-110)
اصعدوا إلى الجبل وأتوا بخشب وابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد. قال يهوه. (حجي، 1: 8)
واستغرقت عملية البناء خمس سنوات أخرى، وكان المعبد الثاني أكثر تواضعا من البيت الأول المتواضع أصلا بجوار المنشآت المعمارية لدول الجوار، وينظر حجي إلى البيت الجديد حزينا قائلا بمرارة:
من الباقي فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول، وكيف تنظرونه الآن؟ أما هو في عينيكم كلا شيء؟! (حجي، 2: 3)
ويعلن يهوه على لسان حجي أنه سيبني البيت مع البنائين، محفزا لهم مبشرا أن «زربابل» 522ق.م، سليل بيت داود وسليمان الملكي سيكون بداية البشرى لقيام دولة اليهود الكبرى، ولقبه بلقب «مشتهي الأمم»، يقول يهوه:
تشددوا يا جميع شعب الأرض يقول يهوه، واعملوا فإني معكم ... لا تخافوا لأنه هكذا قال يهوه رب الجنود، هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهي كل الأمم فأملأ كل هذا البيت مجدا. (حجي، 2: 4-7)
وإلى زربابل بن شلتائيل من يسري في عروقه الدم الملكي السليماني الداوودي يتوجه يهوه بالقول عبر حجي:
كلم زربابل والي يهوذا قائلا: إني أزلزل السموات والأرض، وأقلب كرسي الممالك وأبيد قوة ممالك الأمم، وأقلب المركبات والراكبين فيها، وينحط الخيل وراكبوها كل منها بسيف أخيه. في ذلك اليوم يقول يهوه رب الجنود: آخذك يا زربابل عبدي بن شلتائيل يقول يهوه، وأجعلك كخاتم لأني قد اخترتك. يقول يهوه رب الجنود. (حجي، 2: 21-23) (6) زربابل مسيحا
كان حجي 520ق.م، كما هو واضح، يشير إلى اضطرابات شديدة في الأمم المحيطة بمؤامرات يدبرها يهوه لأجل عيون شعبه، وهو ما يلتقي فعلا مع مجموعة أحداث كانت تجري حينذاك؛ فقد قتل قورش في حملة على آسيا الوسطى وتحطم جزء كبير من جيشه، وانتقل العرش إلى ولده قمبيز الذي حاول تعويض تلك الهزيمة بفتح جديد، فدفع بجيوشه نحو مصر وتمكن من احتلالها، ولكن ليقوم الميديون في فارس بمؤامرات عاد بموجبها قمبيز من مصر لكنه مات في الطريق. وتمكن الكاهن الميدي جوماتا من الوصول بثورته إلى البلاط الفارسي وتم تنصيب «برديا» ملكا، ثم قام انقلاب آخر بالبلاط الفارسي انتهى بقتل «برديا» وتمكن أحد المتآمرين الميديين من الاستيلاء على عرش فارس، وهو من عرفه التاريخ باسم داريوش/دارا الأول. ونتيجة هذه الخلخلة في قوة الإمبراطورية قامت عدة ثورات في البلاد المفتوحة، في بابل وفارس وميديا وعيلام وآسيا الوسطى ومصر، لكن داريوش كان رجلا حديديا تمكن من قمع تلك الثورات جميعا وتوطيد ملكه عند نهاية عام 519ق.م . ومن جانبه احتسب حجي تلك الاضطرابات بداية النهاية للجميع حول يهوذا؛ لأنه لما كانت يهوذا لا تملك مقدمات القوة لترفع رأسها وسط هذه القوى الكبرى، «فإن يهوه رأى تدمير تلك القوى الكبرى سلفا لأجل مجد شعبه». وإنه قد أعد زربابل ليكون ملكا للملكة الرسولية الآتية. لكن نبوءة حجي ذهبت مذهب نبوءات زملائه السابقين؛ فقد صمدت الإمبراطورية الفارسية، بل وبلغت زمن داريوش الأول اقتدارا لم يسبق له مثيل، لكن إلى هذا الزمن تعود نبوءات نبي آخر من الأنبياء الكهنة في معبد أورشليم هو النبي زكريا 520ق.م الذي كان يرى مثل حجي أن الأحداث العاصفة التي جرت خلال السنتين الأوليين من حكم داريوش دلالة أكيدة على اقتراب اليوم الأخير يوم يهوه، وحلول المملكة اليهوذية الرسولية الجديدة. لكن زكريا تفاجئه الأحداث واستقرار الأمور لداريوش تماما.
ويصوغ زكريا نبوءاته في شكل دراما تخيلية تصور الأمم في هيئة وحوش قوية ذات قرون، ولأول مرة لا يتكلم يهوه بنفسه، «فتظهر فكرة الملاك حامل الوحي للرسل في أفق التاريخ الديني»، ويتساءل ملاك الوحي: متى سينزل يهوه رحمته بيهوذا التي ما برح يغضب عليها؟ ويتراءى لزكريا فيما يشبه الحلم أو اليقظة أربعة قرون، ويشرح له الملاك حامل الوحي أن تلك القرون الوحشية هي التي دمرت يهوذا، زوجان منهما مصر وبابل بالطبع وقد تم تحطيم هذين القرنين على يد داريوش، ثم قام ينادي اليهوذيين المستوطنين في بابل للهرب والعودة لأورشليم لأن أورشليم على أول سلم الوعد والمجد لأن ربها يناديها: «ترنمي وافرحي يا بنت صهيون، لأني ها أنا ذا آتي وأسكن في وسطك.» وكي يحدث ذلك كان لا بد من التطهير الرمزي، فيظهر يهوشع كاهن أورشليم الأول (رمزيا) بثياب قذرة، فيأمر الملاك «برفع وزره الذي أنقض ظهره» ويأمر: «انزعوا عنه الثياب القذرة» استعدادا لمجيء سليل بيت داود الملكي، الغصن من شجرة سليمان.
صفحة غير معروفة