لم تكن هناك مصائب باقية أكثر مما حدث لشعب الرب، لكن حزقيال كان يرى مصائب أكثر وأخطارا أعظم هي الخطر المحيق بديانة يهوه. وكان حزقيال شاهدا على الخيانة التي قام بها شعب يهوذا لربه يهوه بعبادة آلهة أخرى (حزقيال، 8).
ونجد عنده إشارات إلى «عبادة بشر حيوانات بمعبد أورشليم تشير إلى آلهة مصرية واضحة» (حزقيال، 1: 10؛ و43: 6). وكانت تلك الآلهة ذات الرءوس الحيوانية إضافة لشبيهها في بابل كما في الثيران المجنحة «قيراب» أو «كروبيم» قد أصبحت فيما بعد أساسا لظهور ما يعرف بالملائكة في أفق الديانة اليهودية، ويروي حزقيال كيف كان الكروبيم (الثيران المجنحة) ركوبة تنقل يهوه من بابل إلى أورشليم إلى أي مكان آخر.
ويرتد حزقيال عن النقلة التقدمية التي أسسها إرميا بعالمية يهوه الذي كان يرعى الآراميين والكوشيين والفلسطينيين، «يعود حزقيال إلى يهوه العنصري الذي يقف فقط إلى جوار شعبه المختار»، وأنه سينتقم من الشعوب المحيطة بيهوذا من عمون إلى موآب إلى آدوم إلى الفلسطينيين، لأنهم نجسوا معبد الإله بدخولهم إليه، وتشفوا في هلاك يهوذا على يد نبوخذ نصر (حزقيال، 3: 25).
ويرتد حزقيال إلى طلب يهوه للقرابين والذبائح وليس للتقوى (حزقيال، 41: 22)، ويعد يهوه حزقيال بأنه في مملكة إسرائيل التي سوف تبعث، سيعمل الكهنة «على المذبح محرقاتكم وذبائحكم السلامية فأرضى عنكم» (حزقيال، 34: 27)، والسبب الواضح «أن حزقيال كان كاهنا من سلالة الكهنة»، وكان يشغله وضع الكهنة المميز. لكن كان يشغله أيضا طمأنة شعبه على مستقبله وهو أسير في بابل؛ فالله قد قال له:
فبددتهم في الأمم فنذروا في الأراضي ... أنا يهوه ... آتي وآخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأراضي وآتي بكم إلى أرضكم ... وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها. (حزقيال، 36)
لكن السؤال كان: هل يستحق شعب الرب كل هذا العقاب العظيم؟ وإذا هلكت يهوذا فذلك معناه انتهاء عبادة يهوه، ثم لماذا هذا العقاب للجميع بينما يوجد بالشعب عباد مخلصون ليهوه؟ ولماذا يعاني الأبرياء مع الخاطئين المذنبين في حق يهوه بعبادة آلهة أجنبية؟ كانت إجابته ذات إجابة هوشع فإسرائيل الشمالية ويهوذا الجنوبية كانتا مثل امرأتي زنى خانتا زوجهما الشرعي يهوه مع عشاق أشوريين ومصريين وبابليين. لكن الزانية ستتوب ويعدها يهوه إن تابت بالغفران (حزقيال، 16: 52-60).
ولتبرير عدل يهوه إزاء عباده المخلصين الذين يعانون مع الخونة وربما أكثر معاناة من خونة يهوه، فإن حزقيال يكرر تفسيرات إرميا، ثم يضيف إضافات جديدة تماما «متأثرة بالعقائد المصرية الأخروية»:
فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي ... «فحياة يحيا ولا يموت». كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه ... وإذا رجع البار عن بره وعمل إثما وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها أفيحيا؟ كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته ... «يموت». (حزقيال، 18: 1-24)
ومن ثم يفتح حزقيال أبوابا جديدة للأمل والتوبة، ضمن مدرسة الكهنة ذوي الامتيازات، وحرصا على هذه الامتيازات قاموا يقدمون وحيا منسوبا لموسى يعرف باسم القانون الكهنوتي، يعكس مصالحهم وتطلعاتهم. أدرجوه تعشيقا هنا وهناك في التوراة الخماسية، في مناطق متفرقة منها، حتى تجد في التوراة القديمة المنسوبة لموسى فصولا كاملة مكرسة لوظائف الكهنة وطقوسهم وقرابينهم؛ لأن إسرائيل المقبلة يجب أن تكون تحت سلطان الكهنة.
ومن هنا نجد ثمانية إصحاحات كاملة من كتاب حزقيال من 40 إلى 48 عبارة عن مشروع كامل لبناء يوتوبيا إسرائيل المقبلة «تحت سلطان الكهنة». ويقدم حزقيال تصوراته من خلال أقصوصة يقول فيها إن يهوه أخذه وطار به إلى المستقبل كي يشاهد إسرائيل الآتية الباقية، ودور المعبد الضروري للكهنة وسيادتهم في المملكة المقبلة، ويضع ضمن تلك التصورات كيف سيكون الكهنة في أعلى درجات السلم الاجتماعي، وهناك سوف يعلمون الشعب:
صفحة غير معروفة