وإذا وصفنا المعبد الذي أقامه الملك سليمان المعروف بالهيكل بأنه أسطورة انتهت منذ عام 70 ميلادية، فالمعلوم أيضا أن وصف «أسطورة»، يصف به طرف طائفي يؤمن به طرفا طائفيا آخر من معتقدات وأحداث تخرج عن نواميس الطبيعة وقوانين العقل السليم بينما تكون في نظر المؤمنين بها معجزات. فإذا كان حديثنا عن حقوق دينية لنا هناك بسبب حادثة الإسراء والمعراج، وهي حدث يخرج بالتمام عن كل قوانين الطبيعة والعقل لأنه محل إيمان فقط أفلا يحق لهم أن يصفوا معتقداتنا بالأساطير؟ ونقف نهتف لبعضنا: أساطير، خرافات، هاتوا الأرض!
وقد يتساءل يهودي ساذج: إذا كان هيكل سليمان وهو المعبد الذي بناه لله أسطورة فلماذا تؤمنون به كنبي؟ بل وتؤمنون بحكايات تفوق ما ورد عنه بالكتاب المقدس، من حيث كسرها لكل قواعد العقل وقوانين الكون؟
نكتب نحن لا نلتفت إلى أن الإيمان مسألة قلبية، وليس أداة من أدوات الصراع اليوم؛ لأنه لم تخترع بعد أجهزة لقياس كمية الإيمان ووزنه ومساحته ومصداقيته وما يدعيه كل مؤمن من حقوق؛ فالحقوق أمور عينية ووثائق ومدونات، وبعضها يصبح لا لزوم له (حتى لو كان بالحق حقا) أمام تغير المفاهيم بدوران الأزمان وتغير القواعد الحقوقية، وأحيانا لا يصبح لحديث الحقوق هذا أية قيمة أمام فلسفة القوة والضعف.
مع ذلك يتقدم الأستاذ محمد سلماوي في أهرام (23 / 10 / 2000م) - مع كامل احترامي لشخصه - ليمد العرب والمسلمين بالدليل المادي على حقوقهم الدينية في القدس، والدليل منذ زمن الدعوة الإسلامية، حيث كان الأستاذ سلماوي يدلل على أن تعبير (حائط المبكى) تسمية تهويدية للحائط الذي يحمل اسم (حائط البراق)، أو كما قال بالنص: «لأنه المكان الذي حط فيه البراق الذي حمل النبي
صلى الله عليه وسلم
ليلة الإسراء والمعراج، «والذي تولى فيه جبريل ربط البراق في الحلقة الحديدية التي ما زالت قائمة في السور»، أو هكذا كانت حتى يونيو 1967م.»
هاكم إذن الدليل الملموس والتاريخي الديني على حقوقنا في القدس ... حديدة؟! ... دليلنا على حقنا الديني بالمحسوس الملموس موجود إذن يؤكد هذا الحق، حلقة من الحديد في الجدار الخارجي للمسجد الذي هو جزء من السور الهائل الغربي للحرم. ويتوجس الأستاذ سلماوي شرا من مكائد اليهود، الذين ربما كانوا يعلمون سر الحديدة، وربما قاموا بإزالتها بعد 1967م، لمحو الأثر الواضح الفصيح البين لرحلة الإسراء والمعراج، تلك الرحلة التي تعطي المسلمين حقا قدسيا في المسجد الأقصى.
إنه الخلط بين الحق الوطني في أرض محتلة بالاغتصاب وبالقوة المسلحة، وبين الدين، الذي يؤدي إلى خلط آخر بين المسلمين المنتشرين في الدنيا بحسبانهم أصحاب هذا الحق (وهو أمر غير حقيقي وإلا كان للمسلم الصيني حقه في أرض الحجاز)، وبين الفلسطينيين الذين هم أصحاب هذه الأرض مسجدا أم كنيسة أم هيكلا أم معبدا بوذيا؟ إنها أرض يوجد بشأنها وثائق ملكية ووثائق وقفية مدونة ومسجلة ومشهرة ومعلومة، وبلغة حقوقية تفهمها قوانين العالم اليوم. لكننا نأخذها بأيدينا من الملف الحقوقي الصادق لنلقي بها في رحم عميق عقيم.
وبفرض أن الحديدة لا زالت موجودة، ولم يلتفت الإسرائيليون لكلام الأستاذ سلماوي ليزيلوها بسرعة، وغفلوا عن خطورة تأثيرها على قرارات مجلس الأمن والرأي العام العالمي، فماذا الذي يعنيه هذا الأمر برمته في النهاية؟
هذا مع عدم الالتفات إلى يهودي آخر من النوع الخبيث قد يلقي علينا السؤال: ولماذا ربط جبريل البراق في الحلقة الحديدية؟ هل خشي أن يبرطع فارا أثناء تواجده مع ضيفه في السماء؟ وهل كانت تلك الحديدة وهذا السور مخصصا للبراق وحده منذ بناء السور (بالمناسبة باني السور هم العثمانيون)، وحتى يأتي جبريل ليربطه في هذه الحديدة لمرة واحدة في التاريخ، ليختفي ذكر هذا الكائن بعد ذلك من كتبنا التراثية جملة وتفصيلا على كمها الهائل وثرائها الهائل وتفاصيلها الجمة؟ حتى تبقى الحديدة لنا دليلا عبر الأزمان؟ أم إنها كانت مربطا للبراق في رحلات أخرى لم نعلم منها سوى رحلة الإسراء؟ أم إنها كانت مربطا عموميا؟
صفحة غير معروفة