بل ولقد نحس في هذه المقطوعة، أيضا، شيئا من روح الشاعر المتدين الرقيق لامارتين، دون أن نستطيع الجزم بأنه قد أخذ أية جزئية من جزئيات معانيه عن لامارتين أو غيره، كما زعم الدكتور محمد صبري.
وكذلك الأمر في البحتري الذي يقول صديقه وشارح ديوانه أحمد الزين: إن صبري قد حدثه ذات مرة بأنه حين قرأ ديوان البحتري خيل إليه أنه لم يقرأ شعرا قبله، بل وأحس نفس الشارح بشبه قوي بين الرائية التي قالها صبري في تهنئة الخديوي عباس الثاني بعيد الفطر، وأولها:
بعلاك يختال الزمان تبخترا
وبقدرك الأسمى يتيه تكبرا
وبين قصيدة البحتري الرائية، أيضا، التي قالها في تهنئة الخليفة المتوكل بعيد الفطر كذلك، وأولها:
أخفي هوى لك في الضلوع وأظهر
وألام في كمد عليك وأعذر
وإن يكن الصديق الشارح لم يأخذ في التنقيب عن المعاني التي يمكن أن يتهم صبري بأنه قد أخذها عن البحتري، بل اكتفى بإيضاح الشبه بين الشاعرين «في حسن التنسيق، وصفاء الديباجة، وسفور المعاني، وعذوبة الألفاظ وطلاوتها، وذلك الجمال الذي تراه شائعا في شعره، مترقرقا في عباراته ترقرق الظل في السحر على أوراق الزهر.»
وبالرغم من كل ما قد يكون في هذه الملاحظات من صدق، إلا أننا لا نميل إلى تركيز الاهتمام على هؤلاء الشعراء في تفسير مزاج إسماعيل صبري وروحه الشاعرية الخاصة، ونفضل أن ننظر إلى هؤلاء الشعراء لا على أنهم من عوامل تكوينه الشاعري، بل على أنه اختارهم وآثرهم بدافع من مزاجه الخاص الذي فطر عليه؛ وذلك أخذا بالحكمة القديمة الصادقة التي تقول بأن اختيار المرء قطعة من عقله.
وإذا كان قد حدث بعد ذلك تجاوب بين صبري وابن الفارض والبحتري ولامارتين، فإن تأثيرهم فيه لا يعدو أن يكون قد عزز اتجاهات نفسه، وساعد على نمو البذرة التي فطرت فيها.
صفحة غير معروفة