مسرحية «صدق الإخاء»
ومع بداية عام 1895 عادت الأجواق والجمعيات العربية - مثل جوق سليمان قرداحي وجمعية الابتهاج الأدبي - إلى تمثيل المسرحيات المترجمة والمعربة، أمثال: «أندروماك» و«عطيل» و«شارلمان».
37
فألف إسماعيل عاصم آخر مسرحياته في هذا العام وهي: «صدق الإخاء».
وتدور هذه المسرحية حول وفاة الأب الوزير رشيد وتبديد ثروته بعد وفاته، من قبل ابنه العاق نديم. الذي بددها في الحانات وعلى الغانيات، وتسبب في القطيعة بين أخته عزيزة وخطيبها عزيز بن صديق، الصديق الأوحد لوالده رشيد، وبمرور الوقت يعيش نديم مع أخته ووالدته ليلى في فقر شديد، وعندما يطلب مساعدة «صديق» يقابله الأخير بكل نفور. وفي يوم من الأيام تأتي إليهم السيدة مباركة المغربية وتعطيهم ثروة كبيرة على سبيل الأمانة؛ لأنها ستسافر لقضاء فريضة الحج، وهذا كان دأبها مع رب الأسرة المرحوم رشيد. فيأخذ نديم الأموال ويتاجر بها، ويكسب الأموال الطائلة، فتعود إليه ثروة أبيه، وأكثر منها عن طريق التجارة، وفي إحدى رحلاته التجارية ينقذ الملكة وابنتها نعمى من قطاع الطرق، ويتم الإعجاب بين نديم ونعمى ليصل إلى درجة الحب الجارف، وعندما يشكو همه لأسرته ينصحونه بالذهاب إلى «صديق» لمساعدته. فيتذكر معاملته السيئة، فيصمم على الذهاب لتأنيبه، وفي منزل صديق تظهر الحقيقة، بأن مباركة المغربية ما هي إلا والدة صديق، وأن الأموال أمواله، وقام بهذا الفعل كي يساعد نديما، وتنتهي المسرحية بتدخل السلطان كالعادة، وموافقته على زواج ابنته نعمى من نديم مكافأة له على شهامته، بعد أن خلع عليه رتبة الوزارة، كما بارك السلطان أيضا زواج عزيز بعزيزة، بعد أن خلع عليه وظيفة كاتب سر الصدارة.
ورغم أن هذه المسرحية آخر ما ألف إسماعيل عاصم، إلا أنها أشهر مسرحياته على الإطلاق. لدرجة أن الكتاب والنقاد المحدثين - على قلتهم - اعتبروها المسرحية الوحيدة له، بل وخصوها ببعض النقد والتقريظ، والحق يقال بأن رائدنا أبدع فيها، من أسلوبه وحكمه ومواعظه وعبره، ما جعلها تتفوق على غيرها. هذا بالإضافة إلى أنه عالج من خلال موضوعها أمورا اجتماعية معاصرة في كل زمان ومكان. فقد تعرض لمشكلة موت عائل الأسرة، وضياعها بدون رقيب أو حسيب. كما تعرض أيضا إلى موضوع انفلات زمام الأبناء بعد موت والدهم، وانخراطهم في الملذات والشهوات، وما يتفرع عن ذلك من إحكام شباك أصدقاء السوء حول الشاب الساذج الذي ينفق بسخاء، وما يدور في الحانات من سكر وعربدة وعدم إحكام للعقل.
وإذا كان ما سبق يمثل العقدة أو لب موضوع المسرحية، إلا أن إسماعيل عاصم استطاع بمقدرته الفنية، أن يتعرض لبعض المشاكل الاجتماعية التربوية العلمية، بعد أن ضمن نجاح المسرحية في معالجتها للمشاكل الاجتماعية الأسرية. فنجده يتحدث عن انتشار تقليد المجتمع المصري للمجتمعات الغربية، في سلوكياتهم ولغاتهم، ويوجه الأنظار في ذلك إلى أن الحل في أيدي القائمين على شئون التعليم في مصر، ويحذرهم من خطورة انتشار المدارس الأجنبية في مصر. كما لفت الانتباه إلى خطورة تعليم العلوم في مدارسنا العربية بلغات أجنبية، وطالب بتمصير وتعريب العلوم الغربية. كما شجع على إقامة مدارس مصرية للبنات، بدلا من مدارس البنات الأجنبية، وأخيرا نجده يلمح من بعيد إلى فساد حاشية السلطان، ممن يلتفون حوله ويبعدونه عن شعبه.
وأول عرض لهذه المسرحية كان في 11 / 7 / 1895، وأخبرتنا به جريدة «الإخلاص» قائلة: «عاد جوق مصر العربي لمديره الفاضل إسكندر أفندي فرح بعد أن تغيب مدة شهرين، وسيشخص مساء اليوم رواية «صدق الإخاء» الفريدة في موضوعها، ورقة إنشاها لناسج بردها عزتلو إسماعيل بك عاصم، فنحث الأدباء على انتهاز فرص الصفو والتفكه بعذب صوت ذاك المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي، ونهنئهم بسلامة الوصول.»
38
وقد قام المؤلف بإلقاء خطبة حماسية قبل التمثيل.
صفحة غير معروفة