فإذا كان إسماعيل عاصم ساند الجمعيات الأدبية بمجهوده الخطابي سابقا - كما بينا - فإنه الآن يساندها بفن جديد، يختلف عن الخطابة في الشكل، ويتفق معه في المضمون، ألا وهو فن الكتابة المسرحية.
ولم يقتصر مجهود هذا الرائد في تشجيع ومساندة الجمعية العلمية، بتأليفه هذه المسرحية، وتخصيص دخلها لأنشطتها الخيرية، بل وشارك في تمثيلها بنفسه، بعد أن مثل دور الحكيم الفيلسوف «عاقل»، وكان رائدنا بذلك أول محام يعتلي خشبة المسرح هاويا، ولم تترك الصحف ذلك الحدث الفريد دون الإشارة إليه. ففي يوم 11 / 4 / 1893، قالت جريدة «المقطم»: «مثل جوق حضرة إسكندر أفندي فرح في الأوبره الخديوية مساء السبت الماضي رواية «هناء المحبين»، تأليف حضرة الفاضل الأديب إسماعيل بك عاصم، فغصت الأوبره بالحضور من كبار رجال الحكومة ونخبة الوجوه والأعيان. أما سمو الخديوي المعظم فأناب عنه دولتلو رياض باشا
18
في حضور التمثيل. وقد أجاد الممثلون جميعا بما أظهروه من البراعة والإتقان وخصوصا حضرة مؤلف الرواية الذي كان يمثل دور الفيلسوف، فإنه أجاد كل الإجادة بما ألقاه من ضروب المواعظ والحكم، وكذا ممثل أبي الأمير لطيف عندما ودع ولده وهو على سرير النزع، وأطرب لطيف ولطيفة الأسماع بنغماتهما الشجية. ثم انصرف الحاضرون بعد نصف الليل وهم يثنون على حضرة مؤلف الرواية وحضرة صاحب الجوق جميل الثناء، ويمتدحون ما رأوه من كمال الانتظام والإتقان.»
19
وبسبب نجاح هذه المسرحية لما تحمله من المواعظ والحكم التي تكشف عيوب المجتمع المصري، وتقدم العلاج الملائم لها. كان الجمهور وعلية المجتمع المصري، يطالبون بإعادة تمثيلها مرارا وتكرارا. فبعد أيام قليلة من نجاح حفلتها الأولى، مثلها جوق إسكندر فرح في 27 / 4 / 1893 في الأوبرا أيضا، وحضر تمثيلها الخديوي ومختار باشا الغازي ورياض باشا رئيس النظار.
20
واستمرت هذه المسرحية في نجاح بهر عقول وعيون المصريين طوال ربع قرن من الزمان، هو عمر اعتلائها خشبة المسارح المصرية،
21
سواء في العواصم أو الأقاليم؛ لما تحمله من المقومات الفنية اللازمة لنجاح أية مسرحية في ذلك الوقت.
صفحة غير معروفة