وفي 29 / 6 / 1904 قام إسماعيل عاصم بالرد على تعقيب ورد أبي شادي، بمقال تحت نفس العنوان الأول: فقدان الخطابة من مصر. بدأه بإلفات نظر أبي شادي إلى توخي آداب المناظرة، وعدم التعصب لما ينشره. كما أبان له أن رده يفتقد إلى الدليل، ونسب إلى شخصه أقوالا لم يقلها، واختتم هذا الجزء بقوله: «فأردت أن أبين لكم في هذه العجالة الأدلة على أقوالكم من نفس مقالتكم، راجيا منكم إقامة دليل واحد على ما نسبتموني إليه ... فأما مقالة حضرتكم فإنها تشتمل على ثلاثة أمور: الأول منها أن مصر عقب الاحتلال كانت زاهرة بالنهضة الوطنية، والثاني أن مصر منذ عشرة أعوام كانت تعقد فيها الجمعيات العلمية والأحزاب السياسية والخطب المنبهة للهمم ثم خفتت تلك الأصوات، والثالث أنه لا يوجد من نابغي مصر الآن غير واحد يخطب.»
ثم بدأ عاصم بتفنيد هذه الأمور متبعا الأسلوب العلمي في المناظرة؛ حيث يأتي بالأدلة على ما يقول من نفس أقوال أبي شادي نفسه، وفي كل دليل يأتي برقم العدد والعمود والسطر، ومثال على ذلك قوله: «قلتم إن جمعية مصر الفتاة وضعت لائحة بحثت فيها عن ترقية شئون مصر وقدمتها للخديوي الأسبق فقبلها وقرر العمل بها (راجع ع4 س42)، والجواب على ذلك أن الخديوي الأسبق لو علم بوجود جمعية من هذا القبيل لخسف بها الأرض وبكل كاتب أو خطيب يفوه بكلمة مما تكتبونه اليوم.»
كما نوه مرة أخرى على آداب المناظرة، قائلا: «إن ألفاظ خلط وشطط لا تليق بآداب المناظرة والمحاماة.»
وكان تعقيب الجريدة على ما سبق بالآتي: «الظاهر: ننشر هذه الرسالة الآن، ونرجئ الرد عليها إلى غد؛ نظرا لضيق المقام.»
وفي 30 / 6 / 1904 جاءت آخر مقالات المناظرة، تحت عنوان: انتقاد على رد، وبدأها أبو شادي كعادته بالهجوم اللاذع على إسماعيل عاصم، فوصف مناظرته بأنها غير محكمة، وعباراته غير فصيحة، وأدلته غير واضحة، بل إن مقاله السابق لا يستحق الاعتناء والحفاوة. ثم بدأ بالحديث عن زعم عاصم بأن في مصر خطباء غير الخطيب الأوحد مصطفى كامل، ورد على ذلك بصورة سريعة مشتتة، ابتعد فيها عن الموضوع الأصلي، وهكذا فعل في باقي الأمور الأخرى التي تعرض لها.
ومهما يكن من أمر هذه المناظرة ورأي المناظرين فيما تحدثا به من أمور، إلا أنها تعكس لنا لونا أدبيا آخر برع فيه إسماعيل عاصم كبراعته في الألوان الأدبية الأخرى، كالشعر والخطابة والمقامة. كما تبين لنا هذه المناظرة قدرة عاصم في المحاورة بالأدلة والبراهين وسهولة ألفاظه وحكمة منطقه، مما يفصح لنا عن المخزون الثقافي والتاريخي لهذا الرائد، الذي ناظر أحد أعلام الصحافة في ذلك الوقت.
في المسرح
الكتابة والممارسة المسرحية آخر
1
الفنون الأدبية التي اقتحم مجالها إسماعيل عاصم، وبالرغم من أن ميلاده كان في عام 1840، إلا أنه لم يقدم على الفن المسرحي إلا في عام 1893، بعد أن بلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاما. فقد رأى أن المسرحيات المكتوبة والمطبوعة والمعروضة في مصر، كلها عبارة عن ترجمة أو تعريب أو اقتباس أو إعداد من المسرحيات والروايات والموضوعات الأجنبية، والقليل منها مأخوذ من الموضوعات التاريخية والدينية العربية، وهذا هو حال الفن المسرحي في ذلك الوقت. مع وجود بعض التآليف المسرحية اليسيرة، من قبل بعض الكتاب الشوام، أمثال القباني ونجيب حداد وغيرهما. وكانت فرقة إسكندر فرح تقوم بتمثيل هذه المسرحيات، مثل: «حمدان»، و«أنيس الجليس»، و«محاسن الصدف»، و«شهداء الغرام»، و«الظلوم»، و«تليماك»، و«عائدة»، و«ولادة بنت المستكفي»، و«هارون الرشيد»، و«الصياد».
صفحة غير معروفة