الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
الناشر
دار الفكر-سوريَّة
رقم الإصدار
الرَّابعة المنقَّحة المعدَّلة بالنِّسبة لما سبقها (وهي الطبعة الثانية عشرة لما تقدمها من طبعات مصورة)
مكان النشر
دمشق
تصانيف
عليه لازم لأمر قلده وذلك في غير العبادات المحضة. فلا يؤخذ بالأيسر إذا أدى الأمر إلى الانحلال من مسؤولية التكاليف الشرعية أو العبث بالدين وقضايا الزواج، أو الإضرار بالبشر، أو الفساد في الأرض، أو الإضرار بالمصلحة الاجتماعية.
فلا يجوز مثلًا التلفيق أو الأخذ بالأيسر للتخلص من فريضة الزكاة، باستخدام الحيل (١) قبيل مضي العام بإعطاء الشخص مدينا ً له من الزكاة بقدر ماعليه، ثم يطالبه بالوفاء، فإذا وفاه برىء وسقطت الزكاة عن الدافع. أو يلجأ المزكي لتصرف صوري بيعًا أو هبة ثم يسترد المال إليه، فهذه حيلة محرمة باطلة لاتسقط فرض الزكاة (٢) لأن في ذلك إضرارًا بمصلحة الفقراء، وتآمرًا على حقوقهم الثابتة شرعًا في أموال الأغنياء. كما لا يصح الإفتاء بأيسر المذاهب في أحكام الزكاة دفعًا لحاجة الفقير، وإنما يفتى بما يحقق المصلحة، فيفتي مثلًا بمذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء بإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون، وبإخراج زكاة الأرض الخراجية (التي فتحت عنوة) مع الخراج، فيكون الواجب في تلك الأرض الخراج والعشر معًا، لأن العشر واجب ديني على المسلمين، والخراج واجب اجتهادي ليكون موردًا للجماعة ممثلة بالدولة لسد حاجاتها ونفقاتها العامة.
ومن الواجب أن تكون الغاية من الأخذ بالأيسر الحفاظ على مقاصد الشريعة، والتزام سياستها وحكمتها التشريعية، ورعاية مصلحة الناس كافة في المعاملات والعقوبات وأداء الأموال والعلاقات الزوجية لا المصلحة الخاصة، وعدم إهدار مصلحة أهم مما دونها، واتقاء المفسدة الكبرى بالدنيا عند الضرورة،
(١) قال ابن القيم: لايجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة (أعلام الموقعين: ٢٢٢/ ٤). (٢) أعلام الموقعين: ٢٥٨/ ٣،٣٢٠.
1 / 125