الإسلام والحضارة الإنسانية

عباس محمود العقاد ت. 1383 هجري
71

الإسلام والحضارة الإنسانية

تصانيف

ولكننا ندري - إن شاء الله - ما يجب علينا في هذا المقام.

ندري أننا سبقتنا الغرب إلى معرفة التنجيم آلاف السنين، فمن حقنا أن نسبقهم إلى العلم بأباطيله، وأن نقنع منه بنصيبنا في الماضي، فلا نشاركهم في بقيته الباقية بعد اليوم.

الفصل السابع عشر

الحج قبل الإسلام وبعده1

الحج فريضة قديمة في الديانات، ولم يوجد قط إلا في ديانة كبيرة، لأنه يستلزم انتشار الديانة في أماكن متعددة كما يستلزم قدمها وانتظام العمل بها في الأزمنة المتعاقبة عاما بعد عام أو موسما بعد موسم، ولا يتهيأ هذا وذاك إلا لديانة قد تأصلت في مكانها وزمانها.

وأشهر الديانات القديمة التي وجدت فيها فريضة الحج اثنتان: ديانة البراهمة في آسيا الشرقية، وديانة بني إسرائيل في آسيا الغربية.

أما الحج في الديانة البرهمية فلا صلة له بالإسلام، ولا مشابهة بينه وبين الفريضة الإسلامية في مناسكها ولا في حكمتها؛ لأنه يقوم على عقيدة تناسخ الأرواح والتطهر من الأوزار في هذه الحياة استعدادا لرجعة الروح إلى جسد أكمل وأنقى، وعند البراهمة أن الحاج يذهب إلى نهر «الكنج» ليغتسل فيه، فيتطهر من ذنوبه ويرجو بهذا التطهر أن يعاد إلى حياة أشرف من حياته الحاضرة في هذه الدنيا.

وذلك كما قدمنا أصل من أصول الحج بعيد من العقيدة الإسلامية، ولا وجه فيه للمقارنة بين العقيدتين وإثبات مواضع التطور بينهما مع اختلاف الزمن وتجدد البعثات.

أما الحج في ديانة بني إسرائيل فمرجعه الأقصى إلى دعوات إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وموسى عليهم السلام، وهو السابقة التي لحق بها الإسلام ليتمها ويصححها، ومن هنا تتأتى المقارنة بين فريضة الحج كما بقيت عند بني إسرائيل، وبين هذه الفريضة كما أقرها الإسلام فأبقى منها ما أبقى، ونسخ منها ما نسخ، ثم تبين في بدء هذا التطور مبلغ التقدم الذي جاء به الإسلام في شعائر الدين ومناسك العبادة.

وأول الفوارق التي يتبين منها مدى هذا التطور أن الحج في بني إسرائيل إنما كان وسيلة لتدعيم سلطان الهيكل وكهانه، وإنما كان في أهم مناسكه فرصة لتزويد أولئك الكهان بالضرائب والإتاوات والقرابين، وقد صرحت بذلك مأثوراتهم كما رووها في العهد القديم، وفيه «إنه إذا قرب أحد قربانا يأخذ الدقيق ويسكب عليه الزيت ويجعل عليه لبانا ويأتي به إلى بني هارون الكهنة ويقبض منها ملء قبضته من دقيقها وزيتها مع كل لبانها، ويوقد الكاهن تذكارها على المذبح لتنبعث منه رائحة سرور للرب، والباقي من التقدمة هو لهارون وبنيه».

صفحة غير معروفة