كشفت لي هذه التجارب عن يقين لا أرتاب فيه، وهو اليقين بسهولة الخلاص، من براهين الشكوك الدينية أو براهين الإلحاد؛ لأن ظهور البطلان في هذه البراهين أيسر من البحث في براهين الفلاسفة على تحقيق وجود الله: وهي براهين المنطق التي لا تصبر عليها جميع العقول.
فمن اليسير أن نفهم - بعد قليل من البحث - أن إنكار وجود الخالق لشيوع النقص والعذاب في عالم المخلوقات هو إنكار ضعيف السند، غير قابل للتصور الصحيح عند إمعان النظر فيه.
وأيسر من ذلك إظهار البطلان في تحقيق معرفة الله برؤية العيان، أو ما هو من قبيل رؤية العيان.
فإذا كان وجود الخالق يستلزم خلو الخلق من النقص والعذاب فلنجتهد في تصور العالم على هذه الصورة، فلا نلبث أن نفهم أنها هي المستحيل بعينه على كل فرض من الفروض.
أولا: كيف يمكن أن يكون المخلوق كاملا كمال الخالق الذي لا يعوزه شيء من الأشياء؟
ذلك هو المستحيل الذي لا تتعلق به إرادة الله، ولا يجوز لنا أن نتطلبه من قدرة الله؛ لأن قدرة الله التي لا نهاية لها هي التي توجب أن يكون المخلوق المحدود بزمانه ومكانه دون ذلك، وتمنع أن يوجد في التصور إله كامل مخلوق إلى جانب الإله الكامل الخالق لجميع الأشياء.
ولنتعسف التصور - إن استطعنا - فنقدر أن المخلوقات يمكن أن توجد ناقصة، وأن تكون مع نقصها سعيدة لا ترجو شيئا، ولا يفوتها رجاء ترجوه إذا جاز هذا في حق الكائن السعيد الظافر بكل ما يريد.
فهل توجد هذه المخلوقات السعيدة دفعة واحدة بلا ولادة ولا نمو ولا وقوف بالنمو عند حد محدود؟
وإذا وجدت هذه المخلوقات السعيدة، فهل تكون سعادتها من نوع واحد لا فرق فيه بين هذا المخلوق وذلك المخلوق، كأنها نسخة مكررة في جميع الصفات والأحوال؟ وهل تتم لها سعادتها بغير مجهود منها وغير سبب من بواعث نفوسها وبغير فرق بين من ولد بالأمس ومن يتبعه في الميلاد؟
وهل يتبعه ذلك التابع في الميلاد صغيرا يشعر بالنقص أو لا يشعر به ولا يشعر بما عداه؟
صفحة غير معروفة