العرب قبل الإسلام
طبيعة بلاد العرب
لا نحسن تصور حالة العرب في الإسلام إبان عهد حضارتهم إلا إذا ألقينا نظرة عجلى على الثابت من تاريخهم في الجاهلية، وعلى آثارهم وعلمهم وثروتهم؛ ولذلك يتقاضانا الوصول إلى هذه النتيجة أن ندرس حالتهم في معظم مظاهرها، لنتدرج بهم من جزيرتهم إلى حيث درجوا من البلاد التي حلوا فيها، وتمثلوا حضارة القدماء، وانقلب في الجزيرة بالإسلام طورهم الديني والأخلاقي، كما انقلب في البلاد المفتتحة طورهم المدني والاجتماعي.
من الثابت أن طبيعة بلاد العرب تختلف باختلاف بعدها وقربها من البحر وانخفاضها وارتفاعها عنه؛ فجبالها ليست كسهولها، وأواسطها تختلف عن أطرافها، فليست الجزيرة إذا نسقا واحدا بخصبها واعتدالها، وفي الجزيرة واحات فيها نخيل وأعناب وبقول وحبوب، وفي جنوبها وهي اليمن بلاد عالية ومنخفضة فيها الحرارة والبرودة، وفيها المياه وإن قل الجاري منها، وتكثر أمطارها وإمراعها، ويقل الخصب في الحجاز اللهم إلا في بعض أنحائه كالطائف. واليمن أعمر الأقاليم العربية ولذلك دعيت بالعربية السعيدة، وعهدت لها مدنية قديمة، وقامت فيها دول؛ لأن سهولها وجبالها ممرعة، وفيها من الحاصلات ما لا يوجد في غيرها كالطيب والورس والكندر والعصب والشب واللبان والعقيق وخشب البنك والمعرق من الجزع.
قال ابن الفقيه:
1
وباليمن من أنواع الخصب وغرائب الثمر وظرائف الشجر؛ ما يستصغر معه ما ينبت في بلاد الأكاسرة والقياصرة، وقد تفاخرت الروم وفارس بالبنيان وتنافست فيه، فعجزوا عن مثل غمدان ومأرب وحضرموت وقصر مسعود وسد لقمان وسلمين وصرواح ومرواح وبينون وهندة وهنيدة وفلثوم بريدة. ا.ه.
وفي جبال بلاد العرب التي لا تكاد تنقطع سلسلتها من شمالها في أرض الشام حتى الطائف وصنعاء وما وراءها من الاعتدال، ولطف الهواء وطيب الماء، ومثمر الشجر، ما يستغرب وجوده؛ لأن الطائف يعلو 1600 متر عن سطح البحر، وأبها في اليمن 2275، وصنعاء 2342، وكوكبان 2001؛ وفي اليمن والحجاز معادن كثيرة كالحديد والفضة والذهب، وهكذا يقال في عمان وحضرموت وهجر «البحرين» واليمامة «نجد» والشحر والأحساء.
دول العرب القديمة
قامت في الأعصار القديمة عدة دول في هذه الجزيرة أو شبه الجزيرة ضاعت معظم أخبارها، فمنها دولة العماليق نسبة لعمليق بن لاوذ بن سام، وكانت على حالة بداوة في الصحراء ممتدة من العراق إلى العقبة، ثم لما قويت عصبيتهم، تغلبوا على بابل وأنشأوا دولة قبل المسيح بخمسة وعشرين قرنا دعيت دولة الساموآبيين، ومنهم ظهر الملك حمورابي،
صفحة غير معروفة