الإسلام والحضارة العربية

محمد كرد علي ت. 1372 هجري
177

الإسلام والحضارة العربية

تصانيف

13

إن المغول والترك كانوا في كل زمان لا يحفلون كثيرا بالأديان المختلفة وليسوا من طبيعتهم متعصبين لها.

خرب جنكيز عواصم العلم في فارس مثل طوس ونيسابور وقزوين وأصفهان وشيراز ومراغة وغيرها،

14

وأكمل من أتى بعده تدميرها وكان سلاطين السلاجقة ووزراؤهم يتبارون في إقامة المصانع كالجوامع والمدارس والجسور والفنادق،

15

واهتم ملكشاه بالعلوم وإن لم يكن عالما، فكان ورجاله يقدرون قدر ما حرموه من نعمة المعرفة، وتركوا إدارة البلاد لوزرائهم مثل نظام الملك الذي كان مطلق اليد في الحكم، فكان السلجوقيون بما لقفوا من الثقافة العربية الفارسية يدافعون قومهم عن العبث بالمدنية ويحمونها من غاراتهم، ويسوقونهم إلى الأخذ بحظ منها، وللسلجوقيين أياد بيضاء على الإسلام يوم جدت غارة الصليبيين عليه، وكفاهم أنه كان من أمرائهم أمثال آل زنكي ومنهم نور الدين محمود مثال العادلين في السلاطين، ومن وزرائهم أمثال نظام الملك نصير العلم والعلماء.

وبينا كانت في هذا الشرق القريب تتألف كتلة صغيرة تدفع الصليبيين عن سرة بلاد الإسلام مصر والشام، فتخرب مدن وحصون، وتندك معالم وجوامع، كان جنكيز يخرب في أواسط آسيا بلاد المسلمين، ولم تكد تدفع الشام عنها عادية الحروب الصليبية حتى جاء هولاكو بغداد يخربها ويقتل الخليفة المستعصم ويقضي على جلة الفقهاء ورجال الدولة، يضع السيف في دار السلام

16

أربعين يوما، ويستخرج الأموال والتحف بأنواع العذاب، ويحرق معظم تلك المدينة الساحرة، وزادت عدة القتلى عن ثمانمائة ألف، عدا الأطفال ومن هلكوا في السراديب والقنى والآبار، وأحرق قبور الخلفاء ونبش عظامهم، وبنى بكتب العلماء إصطبلات الخيول وطوالات المعالف عوضا عن اللبن. وقيل: إن ماء دجلة تغير لونه لكثرة ما ألقى فيه التتر من الكتب والأوراق. وقيل: إنه أقام بكتب العلم ثلاثة جسور على دجلة، هذا عدا ما نهب من البلاد التي احتلها، فملأ في مراغة خزانة عظيمة من الأسفار، نهبها من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد.

صفحة غير معروفة