وظلت بارة إمارة إسلامية تواتر غزواتها على الأصقاع المتاخمة، وفي تلك الحقبة في الغالب سار المفرج بن سلام وفتح أربعة وعشرين حصنا استولى عليها، كما قال البلاذري، وكتب إلى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين، وبنى مسجدا جامعا، ولعل هذا الفاتح كان من أهل أقريطش لا صلة له مع الآغالبة في إفريقية فعمد إلى الخلافة العباسية في بغداد يراجعها مباشرة لتصح ولايته، والغالب أن سلطة المفرج بن سلام امتدت إلى سائر بلاد أبوليه، ثم قام الأمير سعران وأخرب إيطاليا الجنوبية ووصلت غاراته إلى جنوبي نابل وسالرن، واشتهر بالإثخان في أهلها إلى أن جاء لويز الثاني ملك فرنسا فنزل إيطاليا وفتح بها سنة 871 مدينة بارة، وقتل كثيرا من المسلمين وبذلك انتهت مدة حكم العرب في بارة بعد أن دام تسعا وعشرين سنة (842-871م)، ولم يخلف المسلمون شيئا في تلك الأرجاء من آثار علمهم وصنائعهم كما كان منهم في جزيرة صقلية؛ لأن مقامهم فيها لم يطل.
فالعرب أنشأوا والحالة هذه إمارة في بارة، وكان العراك بينهم وبين النصارى من أهل جنوبي إيطاليا على أشده من سنة 875 إلى 902م، وأنشأوا إمارة صغرى في سنة 883م في البلاد الواقعة في مصب نهر كاريكليانو
Garigliano
في بحر تيرين (شرقي غايتا أو بحر طسقانة قديما)، ودامت هذه الدولة إلى سنة 915م، واستولت العرب على جنوة سنة 323ه، ثم رحلوا عنها بعد أن نهبوها، واحتلال المسلمين إقليم قلورية كان متقطعا، انتقلت عدة أماكن ومقاطعات منها من أيدي العرب إلى أيدي النصارى وبالعكس، ولم يحتل العرب رومية ولا نهبوها بل بلغوا ربضها في سنة 846م، ونهبوا بيعتي القديس بطرس والقديس بولس، وكانتا إذ ذاك خارج أسوار المدينة، وانهال عليهم أهل القرى فاضطروا إلى الرجوع عنها، وبنى الحسن بن علي في ريو
Reggio
مسجدا كبيرا وجعل في أحد أركانه مأذنة وشرط على الروم أن لا يمنعوا المسلمين من عمارته وإقامة الصلاة فيه والآذان وأن لا يدخله نصراني، ومن دخله من الأسارى المسلمين فهو آمن سواء كان مرتدا أو مقيما على دينه، وإن خربوا حجرا منه هدمت كنائسهم كلها بصقلية وإفريقية وأن الروم وفوا بهذه الشروط كلها، بيد أن مسجد ريو لم يدم عامرا غير أربع سنين.
تقويم جزيرة صقلية وعمل العرب فيها
طول هذه الجزيرة بحسب تعريف القدماء سبعة أيام في أربعة أيام، تدار في خمسة عشر يوما، ومساحتها السطحية 25740 كيلو مترا مربعا على اصطلاح المحدثين، وكانت في كل أدوارها مطمح أنظار الفاتحين من الدول البحرية؛ لأنها من أهم منازل الاتصال بين إفريقية وأوروبا وآسيا، وقالوا: إنه كان فيها آخر أيام العرب مائة بلد وثلاثون بلدا بين مدينة وقلعة غير ما بها من الضياع والمنازل والبقاع، ومن مدنها الخالصة، أطرابنش، مازر، جرجنت، بثيرة، سرقوسة، قطانية، بطرنوا، ميقس، مسينة، رمطة دمنس، قلعة القوارب، قلعة الصراط، قلعة البلوط، قلعة أبي ثور، بطرلية، ثرمة، قرليون ، برطفيف، برطنة.
ولما استولى الفاتحون من العرب على صقلية تركوا لأهلها عاداتهم وقوانينهم وحريتهم الدينية المطلقة،
6
صفحة غير معروفة