هذه صورة من ثروة العرب قبيل الإسلام وبعيده، إلى العهد الذي أخذوا فيه يتذوقون مباهج الحياة، وكان من معاوية رأس الأمويين منذ فتحت له خزائن الأرض أن أنفق كثيرا في مصالح المسلمين، ووصل الناشزين على الملك وغيرهم، وأدر كثيرا على أعمال العمران، وجرى أخلافه على طريقته، ومن أهمهم الوليد بن عبد الملك؛ فقد توسع في إقامة المصانع والجوامع فزين مسجد الرسول، وكاتب ملك القسطنطينية، فبعث إليه أربعين رجلا من الروم وأربعين من القبط، ووجه إليه أربعين ألف مثقال ذهبا، وأحمالا من الفسيفساء، وحلى المسجد بالفضة والذهب وفرشه بالمرمر وفرغ منه لانسلاخ سنة تسع وثمانين،
29
وكذلك فعل الوليد في الحرم المكي والجامع الأموي؛ فقد أنفق على جامع دمشق خمسة ملايين وستمائة ألف دينار، وجلب له مائتي عامل من الروم، ولما قيل له: إنه محق بيوت الأموال في نقش الخشب وتزويق الحيطان، خطب فقال: قد بلغتني مقالتكم وليس الأمر على ما ظننتم، ألا وإني أمرت بإحصاء ما في بيوت أموالكم فأصبت فيه عطاءكم ست عشرة سنة. وكان سبق الوليد أبوه عبد الملك بن مروان؛ فأنشأ المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ورصد لذلك خراج مصر سبع سنين، وفرغ منه سنة ثنتين وسبعين. هكذا توسع الأمويون في البناء بعد أن كثرت أسباب الثروة، وكان من خلفائهم في الأندلس في باب العمران ما هو عجيبة الأيام والدهور، أما الثروة في عهد العباسيين فما كان الإنسان يعتقد صحة ما روي عنها لولا أنه ورد على لسان ثقات المدونين لها، ولولا أنها أتت أخبارها من عدة طرق جلها موثقة.
خروج العرب من الأمية وعناية بني أمية بالعلم
بعث الرسول «وليس أحد من العرب يقرأ كتابا»، ولم يجد الرسول لإفشاء العلم في الناس إلا أن يكثر فيهم سواد من يقرأ ويكتب، وأن يحملهم على تعلم الكتابة، فكان إذا أسر جماعة من العرب وصادف فيهم أناسا يقرءون ويكتبون، ولم يكن لأحدهم مال يفتدي به نفسه يأمره أن يعلم عشرة من أولاد المسلمين القراءة والكتابة، وبهذه الطريقة فشت الكتابة في قريش وغيرها، وكان يقول: قيدوا العلم بالكتابة، وفي رواية بالكتاب. هذا وهو النبي الأمي، والأمية فيه فضيلة؛ «لأنها أدل على صدق ما جاء به أنه من عند الله لا من عنده، وكيف يكون من عنده وهو لا يكتب ولا يقرأ ولا يقول الشعر ولا ينشده.»
30
وأمر الرسول زيد بن ثابت أن يتعلم لسان اليهود، وتعلم
31
زيد هذا بالفارسية من رسول كسرى، وبالرومية من حاجب النبي، وبالحبشية من خادم النبي، وبالقبطية من خادمه، وهذا كان مبدأ تعلم العرب لغات غير لغتهم، ويروى، وهي رواية غريبة، أنه كان لعبد الله بن الزبير
32
صفحة غير معروفة