ولم يكن هذا الشيء كبرياء الجنس العمياء، أو كبرياء الحيوانية في الإنسان؛ بل كان شيئا يليق بالإنسان لأنه منوط بأشرف مزاياه، وهي مزية الضمير والوجدان.
بقي لها الإيمان بدينها.
بقي لها الإيمان بأنها في حالة لن تدوم، وأنها قمينة أن تغيرها لو غيرت ما بنفسها، وأن الله يريد منها هذا التغيير، ويعينها عليه.
ولم يزل الإسلام منذ كان يعلم المسلم أنه مطالب بعلم الدين وعلم الدنيا، وأن نبي الإسلام - فضلا عمن هو دونه - قد يقول لمن يهديهم: إنكم أعلم بأمور دنياكم.
وانحلت المعضلة الكبرى على هذه الصورة التي لا صعوبة فيها على النفس المسلمة، ففي وسع الدول المستعمرة أن تتغلب بسلاحها، وفي وسع الأمم الإسلامية أن تدفعها بمثل ذلك السلاح إذا ملكته، وعليها أن تملكه بأمر دينها.
هذه العصمة هي سر العقيدة الوافية الذي تلوذ به حين تخذلها كل عصمة، وهو قيمة حقيقية لا تفرط فيها أمة متى وجدتها، ولا يكون التفريط فيها إلا علامة على الوهن والانحلال.
ولم تشعر الأمم الإسلامية بمثل هذا الشعور قبل عصر الاستعمار.
لم تشعر به في عهد الحروب الصليبية؛ لأنه خرجت منها، وهي مالكة لبلادها منفردة بانتصارها وارتداد المغيرين عليها.
ولم يكن ثمة فارق في عدد القتال بينها وبين الصليبيين، فيدخل في روعها أنها مطالبة باقتباسه مفتقرة إليه.
ولم يكن في أحوال الصليبيين ما تغبطهم عليه؛ بل كان الأكثرون منهم على حالة، يترفع عنها بنو الحضارة، ويحسبونها من التخلف والهمجية.
صفحة غير معروفة