أما في أفريقيا: فالتقدير المعتدل لهم يقارب مائة مليون، منهم خمسة وعشرون مليونا في مصر والسودان، وعشرون مليونا في ليبيا وتونس والجزائر ومراكش، وعشرون مليونا في الصحراء الغربية والسودان الفرنسي وبحيرة تشاد والشواطئ الغربية، ونحو عشرة ملايين في زنجبار ومدغشقر والسواحل الشرقية والصومال، وسائرهم بين الحبشة وأوغندة وكينيا وأفريقيا الجنوبية.
فليس من المبالغة أن يقدر عدد المسلين في العالم بأربعمائة مليون؛ أكثرهم في آسيا وأفريقيا، وأقلهم في أوروبا، عدا ألوفا معدودة في العالم الجديد.
فهم جميعا بحكم موقعهم من أبناء العالم القديم، يقابلهم سكان أوروبا الغربيون الذين نشأت بينهم الحضارة العصرية، ويصدق عليهم وصف واحد في المقابلة بينهم وبين الأوروبيين المحدثين، فلا يقال عنهم: إنهم تقهقروا منتكسين إلى الزمن القديم، وإنما يقال عنهم: إنهم وقفوا حيث تقدم غيرهم مع العلم الحديث، ولا ينسى المنصف في هذه المقابلة أن الأوروبيين الذين تقدموا هم الأوروبيون الذين اتصلوا بالإسلام من قريب، وهم أبناء أوروبا الغربية، ثم أبناء أوروبا الذين احتكوا بالإسلام في الحروب الصليبية، ولا نعني أن أسباب التقدم تنحصر في هذه الصلة أو في هذا الاحتكاك، ولكننا نعني أن الإسلام لم يكن قط قوة مهملة في حركة من الحركات الإنسانية سواء نشأت بين ظهرانيه أو نشأت في مواطن أخرى، وإن المؤرخ المحقق لن يستقصي أسبابا للنهضات الإنسانية على اختلافها دون أن يرجع بمرحلة منها إلى نهاية أو بداية في عالم الإسلام.
وفي هذا السياق ينبغي الالتفات إلى أمر واقع قلما يلتفت إليه المؤرخون من الغربيين أو الشرقيين، وهو أن محاربة الإسلام كانت على الدوام نكبة على محاربيه من المستعمرين، فإن السابقين إلى الشرق من المستعمرين الأوروبيين هم البرتغاليون والإسبان، ولكنهم لم يثبتوا في الشرق طويلا؛ لأنهم ذهبوا إليه بسمعة العداء للإسلام، وكان الإسبان يسمون المسلمين في جزر الهند بالمور متابعة لما عهدوه من تسمية المسلمين بالمراكشيين، وكان البرتغاليون أول من نزل بجزائر السوند الكبرى وجزائر السوند الصغرى وما بينهما من الجزائر التي يكثر فيها المسلمون، فلما تنافس البرتغاليون والإسبان وغيرهم من أبناء أوروبا الغربية وأمريكا دارت الدائرة على الأولين؛ لأنهم وجدوا العداء من المسلمين حيث نزلوا بينهم، وهكذا كان نصيب روسيا في آسيا الشمالية حيث اشتهرت بعداوة الخلافة الإسلامية، فقد كان موقف المسلمين منها في التركستان ومنشورية والصين الشمالية الغربية عقبة من أقوى العقبات التي رصدت لها في ذلك الطريق.
هذه القوة التي لم تسقط يوما من حساب السياسة العالمية لن تسقط اليوم من هذا الحساب، وقد توضع السياسات الظاهرة والخفية لحربها وإقصائها من الميدان، ولكنها تتغلب على هذه السياسات حين تنقلب الأمور على غير إرادة الساسة والمقدرين؛ لأن العقيدة الدينية أثبت من برامج السياسة وخططها الظاهرة والخفية، بل هي أثبت من الجغرافية وما يسمونه حديثا بالسياسة الجغرافية؛ لأن العقيدة الدينية تحول السكان حيث تثبت معالم الأرض ورواسي الجبال.
ونحن نستطرد هذا الاستطراد في مقدمة الكلام على المسلمين في القرن التاسع عشر؛ لأنه يعيد إلى الأذهان أخطاء المقدرين وأصحاب السياسات قبل مئات السنين، ويجعل هذه الأذهان على استعداد لانتظار أخطاء أخرى من هذا القبيل قد ينكشف عنها الزمن بعد آن قريب. •••
انقسم العالم في بداءة القرن التاسع عشر إلى حضارة حديثة في الغرب، وحضارات قديمة في الأقطار الآسيوية والأفريقية، وكان المسلمون - إلا القليل منهم - في هذه الأقطار تخلفوا عن ركب الحضارة في الصناعات والمخترعات والعلوم الحديثة، وأصابهم هذا التخلف في مرافقهم جميعا، ومنها الزراعة والتجارة التي كان قوامها الأكبر على الملاحة الشراعية؛ فتراجعت شيئا فشيئا أمام ملاحة البخار، وتراجعت كذلك عن سيادة البحار.
ولما تقدمت مرافق الصناعة والتجارة في الغرب تقدمت معها وسائل التنظيم والإدارة، وبقي الشرقيون جميعا، والمسلمون منهم، متخلفين في هذه الوسائل إلى ما قبل نهاية القرن التاسع عشر بقليل.
وأصبح العالم الإسلامي في مقدمة الأهداف التي تصوبت إليها حملات الغرب الثلاث، وهي حملات التبشير والاستغلال والاستعمار، ويتقدم التبشير هذه الحملات في ترتيب الزمن لا في الخطر والأثر؛ فإنه قد بدأ مع الحروب الصليبية حوالي القرن الثاني عشر، وكان في كثير من الأقطار رائدا لحملة الاستغلال وحملة الاستعمار.
أما العالم الإسلامي من وجهة النظر إلى مركزه السياسي: فقد كان معظمه عند أوائل القرن التاسع عشر في حوزة الدول الأجنبية، ولم يبق فيه من الدول التي كانت على نصيب من الاستقلال في عرف السياسة غير دول ثلاث، وهي الدولة العثمانية التي سميت بدولة الخلافة من عهد السلطان سليم، والدولة الإيرانية، والدولة الشريفية بالمغرب الأقصى.
صفحة غير معروفة