فذلك العالم أيضًا مثاب إن كان قد تحرى الحق بقدر طاقته.
ثم قال فيمن يكبر مسألة ويعظمها لمخالفتها لحكم سلطان العادة: هذه سنة الله في الخلق يهتم الناس على قدر جهلهم بالأمور التي لا يترتب عليها نفع ولا ضر ويتركون عظائم الأمور لا يبالون بها. أرأيت أيها الأخ أيهتم قومك بالإنكار على تارك الصلاة أو مانع الزكاة كما يهتمون في تقديس ما ألفوا عليه آباءهم والقيام في وجه المحق انتصارًا للنفس وتعصبًا على المخالف واحتفاظًا بالعادة؟ كلا. فالواجب على المحق أن يبينه للناس غير مبال بلغط اللاغطين واختلاف الجاهلين والله ولي المتقين.
١٦- عدوى البدع من شؤم المخالطة:
قال الإمام ابن الحاج عليه الرحمة والرضوان في كتابه "المدخل" في فقه حديث معاذ ﵁: نهى عن السجود للبشر وأمرنا بالمصافحة١. وحديثه لما حكى للنبي ﷺ سجود النصارى لبطارقتهم وهمَّ ﵁ بالسجود له ﷺ فقال: "لا تفعل" يؤخذ منه التحرز عن مخالطة أهل الكتاب إذ إن النفوس تميل غالبًا إلى ما يكثر ترداده عليها. ومن ههنا والله أعلم كثر التخليط على بعض الناس في هذا الزمان "يعني زمنه في مصر" لمجاورتهم ومخالطتهم لقبط النصارى مع قلة العلم والتعلم فأنست نفوسهم بعوائد من خالطوه فنشأ من ذلك الفساد وهو أنهم وضعوا تلك العوائد التي أنست بها نفوسهم موضع السنن حتى إنك إذا قلت لبعضهم اليوم "السنة كذا" يكون جوابه لذلك على الفور: عادة الناس
_________
١ حديث معاذ في النهي عن السجود للبشر، صحيح، ولكن ليس فيه الأمر بالمصافحة، وهو مخرج في "إرواء الغليل" "٢٠٥٨"، وإنما جاء الأمر بها في حديث ضعيف مخرج في "الضعيفة" "١٧٦٦".
1 / 37