وقد أنكر عمر على طلحة ﵄ فعلا يغتر بظاهره الجهال فيحملونه على غير وجهه ففي الموطأ١ عن نافع أنه سمع أسلم يحدث أن عمر رأى على طلحة ثوبًا مصبوغًا وهو محرم فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر٢. فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدى بكم، فلو أن رجلًا جاهلًا رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة قد كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة. ا. هـ.
وقال الإمام الغزالي في "الإحياء" في باب السماع: يمنع التشبه بأهل الفسق لأن من تشبه بقوم فهو منهم، وبهذه العلة نقول بترك السنة مهما صارت شعارًا لأهل البدعة خوفًا من التشبه بهم٣ ثم قال: لهذا ينهى عن لبس القباء وترك الشعر على الرأس قزعًا في بلاد صار القباء من لبس أهل الفساد فيها.
وقال الشهاب ابن حجر في فتاويه الحديثية: ما يفعله كثير عند ذكر مولده ﷺ ووضع أمه له من القيام بدعة لم يرد فيها شيء. قال: على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له ﷺ. فالعوام معذورون بذلك بخلاف الخواص فلا ينبغي لهم فعله. ا. هـ.
وقال البدر العيني في "شرح البخاري" في باب المساجد التي على طريق المدينة. ينبغي للعالم إذا رأى الناس يلتزمون بالنوافل التزامًا شديدًا أن يترخص
_________
١ وعنه أخرجه البيهقي "٥-٦٠"، وإسناده صحيح.
٢ أي مصبوغ به وهو الطين العلك الذي لا يخالطه شيء من رمل.
٣ قلت: ليس هذا من التشبه بهم في شيء، بل هو تشبه بمن سن السنة وهو رسول الله ﷺ، فإذا أخذ بها بعض الفساق، فليس ذلك بالذي يمنع من استمرار الحكم السابق، وهو التشبه به ﷺ، والتشبه الممنوع إنما هو التشبه بالفساق الكفار فيما هو من مميزاتهم، ألست ترى أنه ﷺ لبس جبة رومية كما في "الصحيحين" من حديث المغيرة بن شعبة، فإذا كان هذا ليس تشبهًا بالروم، فبالأولى ليس تشبهًا بالفساق إذا لبسوا ما لبسه النبي ﷺ. وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى. "ناصر الدين".
1 / 23