فكأن القدر هو التقدير الأول ، والقضاء هو فصل الشيء بعد التقدير ، ومن ذلك الحديث عن النبي عليه السلام : ( إنه إذا مر بهدف مائل أسرع المشي فقيل : يا رسول الله أتفر من قضاء الله ، قال : أفر من قضاء الله إلى قدره ) (¬2) أي أفر من الشيء قبل أن يقع ، فيصير قضاء فصلا إلى ما قدر، ولم يفصل ، فإن الله مزيله عني ويغيره ويمحوه ، /وهو قادر على ذلك تعالى 0 ... ... ... ... 27ب الدنيا والآخرة : قال الله تعالى: [والدار الآخرة ] (¬1) جعل الآخرة نعتا للدار ، وقال : [وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور] (¬2) فجعل الدنيا نعتا للحياة ، والآخرة نعتا للدار ، والدنيا اشتقاقها من الأدنى ، وهكذا قال تعالى : [إذ أنتم بالعدوة الدنيا] (¬3) فجعل الدنيا نعتا للعدوة ، فقرر لك أن الدنيا ليس باسم إنما هو نعت ، والنعت لا بد أن ينعت لاسم قد تقدمه ، وربما أقيم النعت مقام الاسم إذا كان الاسم مشهورا ، وقد ذهب قوم إلى أن الدنيا هي الأرض والسماء وما بينهما ، وهو خطأ ؛ لأن الآخرة أيضا في السماء والأرض ، فإن كانت السماء والأرضون هي الدنيا فأين الآخرة ؟ وقال قوم : إن الآخرة لا تكون إلا بعد انقضاء الدنيا ، قلنا : فإن كان كذلك فمن قد مات هو في الدنيا ، لا يجوز أن يقال : مضى إلى الآخرة إذا كانت الآخرة لم تخلق ، ولكنا نقول : هما حياتان ، فمن كان في هذه الحياة ، فهو في الدنيا ، لأن الله جعل الحياة نعتا للدنيا ، والدنيا اشتقاقها من الأدنى ، أي هي أقرب الحياتين (¬4) ، والآخرة هي الحياة الآخرة ، وكل شيء له طرفان ، فالأدنى منهما إليك هو الدنيا ، والأبعد الآخرة ، فما دام الإنسان في هذه الحياة ، قيل : هو في الدنيا ، أي في الحياة الدنيا ، فإذا صار في الحياة الآخرة ، قيل : هو في الآخرة ، أي في الحياة الآخرة 0 / القلم : روي عن النبي عليه السلام : ( أن أول ما خلق الله القلم فجرى بما 28 أهو كائن إلى يوم القيامة ) (¬1) ، واشتقاق القلم في اللغة من قلمته أي قطعته وهيئته من جوانبه ، وسويته وبريته ، والقلم في كلام العرب : القدح والسهم الذي يتساهم به ، والأقلام : السهام تجال على الشيء الذي يقسم ، فالقدح والقلم والسهم كل هذه تبرى وتسوى وتقلم ، والتقليم هو البري للإصلاح ، ومن ذلك قالوا : قلم ظفره ، إذا قطع منه النابت ليصلح ، وكذلك قلمت الشجر والكرم ، وغير ذلك ، يقال لما يبرى ويقطع ليصلح : قلم (¬2) ، فكأن الله سمى ذلك القلم الأول قلما ؛ لأنه برأ الأشياء كلها به ، وسواها ، وكتب مقاديرها ، وخطوطها ، والله أعلم بكيفيته ، وليس لنا أن نقول فيه إلا ما روي 0
اللوح : قال الله تعالى : [بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ] (¬3) وقال : [ وكتبنا له في الألواح من كل شيء ] (¬4) ، قيل : إنها كانت من زمرد أخضر ، كل لوح على طول موسى ، فسمي اللوح الذي يكتب فيه لوحا ؛ لأنه نحت على تلك الهيئة ، واللوح العظيم يقال عظيم الألواح إذا كان كبير عظم اليدين والرجلين ، وكل عظم يسمى لوحا ، وسميت ألواح السفينة ألواحا ؛ لأنها نحتت على هيئة الألواح التي يكتب فيها ، قال الله : [وحملناه على ذات ألواح ودسر] (¬5) واللوح البريق ، واللوح ما بين السماء والأرض من الهواء ، يقال له : لوح ، واللوح العطش ، فهذا / ما 28 ب جاء في اللغة من معنى اللوح ، والله أعلم بكيفية اللوح المحفوظ 0
الكرسي : قال قوم : كرسيه : علمه ، واستشهدوا بقول الشاعر (¬6) : " البسيط "
صفحة ٧٩