ونفي الرؤية بالأبصار والإدراك بسائر الحواس ، لأنه لو صحت رؤيته آجلا لوجبت عاجلا ، لأن الرؤية إذا صحت وجبت ، وإذا لم تجب استحالت وفي استحالتها الآن وجوب استحالتها هناك ، ولأنه ليس بمقابل ولا حال فيه ولا في حكمه ، فلا يعقل كونه مرئيا ولا محسوسا ، وقد تمدح بنفي الرؤية عنه تمدحا عاما ، فإثباتها نقص لتمدحه ، لا طراد ذلك في كلما تمدح بنفسه ، كالسنة والنوم وغيرهما.
ونفي الاتحاد ، لأنه إن أريد به الحلول ، فهو من خصائص الأعراض ، أو المجاورة ، فهو من لوازم الأجسام ، وكلاهما مستحيل عليه ، وإن أريد به غير هما لم يكن معقولا. ونفي الاختصاص بالجهات والحلول في المحال بمثل ما ذكرناه.
ومنه ما لفظه ثبوتي ومعناه سلبي ، وهو كونه غنيا ، لأنه حي يستحيل عليه (1) الحاجة التي لا وجه لثبوتها إلا اجتلاب المنافع ودفع المضار المترتبين على ثبوت الملاذ والآلام المصححة للشهوة والنفار المختصين بالأجسام. فلما استحال ذلك عليه مع كونه حيا ، استحال كونه محتاجا ، وثبت أنه غني.
وكونه واحدا لا ثاني له في القدم ، لأنه لو كان له ثان ، لجاز وجود أحدهما مع عدم الآخر ، أما في الزمان أو المكان أو المحال ، لثبت لهما ما به تتميز الذاتان من الذات الواحدة ، وتأتي ذلك في القديم غير معقول ، ولأنه لا طريق إلى إثبات الثاني من نفس الفعل ولا من واسطته (2)، وإثبات ما لا طريق إلى إثباته جهالة ، ولأن إثباته مكاف لإثبات ما زاد عليه ، وفيه ارتفاع الفرق وإمكانه بين الحق والباطل ، وهو محال ، فإذا انتفى عنه الثاني شريكا كان أو نظيرا ثبتت وحدانيته ، والسمع كاف في الدلالة على ذلك.
صفحة ١٨