إشارات الإعجاز
محقق
إحسان قاسم الصالحي
الناشر
شركة سوزلر للنشر
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
٢٠٠٢
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
فصل في مواقع التمثيل وتأثيره
اعلم! ان مما اتفق العقلاء عليه: ان التمثيل اذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية الى صورته، كساها ابهةً، وكسبها منقبةً، ورفع من أقدارها، وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب اليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفًا، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفًا.
فان كان مدحًا كان أبهى وأفخمَ، وأنبلَ في النفوس وأعظمَ، وأهزَّ للعِطْف، وأسرعَ للإلف، وأجلبَ للفرح، وأغلبَ على الممتدح، وأوجَبَ شفاعة للمادح، واقضى له بغرّ المواهب والمنائح، وأسيرَ على الألسن واذكرَ، وأولى بان تعلقه القلوب وأجدرَ.
وإن كان ذمًاْ كان مَسُّه أوجعَ، ومِيسمه ألذَع، ووقعه أشدَّ، وحدُّه احدَّ.
وإن كان حجاجًا كان برهانه انورَ، وسلطانه اقهرَ، وبيانه ابهَر.
وإن كان افتخارًا كان شأوه ابعدَ، وشرفه اجدَّ، ولسانه ألدَّ.
وإن كان اعتذارًا كان الى القلوب اقربَ، وللقلوب أخلبَ، وللسخائم اسلّ، ولغرب الغضب افلَّ، وفي عُقَد العقود انفثَ، وعلى حسن الرجوع أبعثَ. وإن كان وعظًا كان أشفى للصدر، وادعى الى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر، وأجدر بأن يَجْلي الغياية (١)، ويبصر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفي الغليل ... وهكذا الحكم اذا استقريت فنون القول وضروبه، وتتبعت أبوابه وشعوبه. (انتهى) ..
ثم ان في الآيات الآتية دلائل اعجاز واسرار بلاغة فذكرناها هنا لمناسبتها لمسائل المقدمة الآتية.
فمثال التمثيل في مقام المدح ما ذكره القرآن الكريم في وصف الصحابة من:
(١) الغياية: ضوء شعاع الشمس، قعر البئر، وكل ما أظل الإنسان كالسحابة والغبرة.
1 / 114