(و) أما الدليل على ذلك من السمع: فإنه (قد) جاء السمع بذلك حيث (قال تعالى: {ولا يرضى لعباده الكفر}[الزمر:7] وقال تعالى: {وما الله يريد ظلما للعباد}[غافر:31] {والله لا يحب الفساد})[البقرة:205] ونحو: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة:185] أي ما يؤدي إلى اليسر من الطاعة، ولا يريد بكم العسر وهو ما يؤدي إلى العسر من المعصية، هكذا فسره بعضهم.
وقال فيما رواه مسلم: ((إن الله يقول للعبد العاصي إذا جاء يوم القيامة أردت منك أيسر من ذلك)) فصرح بأنه أراد منه الطاعات التي لم يفعلها، وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56] وهذه لام الغرض بلا شبهة، والغرض والإرادة واحدة في الأغلب بلا خلاف، وقوله تعالى: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة}[الأنفال:67] إلى غير ذلك من الآيات.
وأما ما تعلق به المخالف فإنه تعلق بشبهتين من قبل العقل فقالوا: الإرادة مطابقة للعلم، فما لا يعلم الله وقوعه لا يصح أن يريده.
والجواب: أن هذه دعوى محض ومحل النزاع، وأيضا فكيف يصح ذلك عندهم أن كونه مريدا ككونه عالما في أنها تستحق للذات أو لمعنى قديم؟ فلم كانت إحداهما تطابق الأخرى أولى من العكس؟ وهلا طابقت القدرة كما هي مطابقة للعلم؟ أو هلا كانت القدرة والعلم مطابقين للإرادة؟ وما وجه هذه التحكمات من غير دليل؟
الشبهة الثانية: قالوا: لو وقع في ملك الله مالا يريده لدل على عجزه قياسا على الشاهد.
والجواب أولا: بأنهم يمنعون قياس الغائب على الشاهد ويقولون لا يقاس بالناس فكيف قاسوا هنا؟
وثانيا: أنه معارض بالأمر، فلو وقع في ملك الله خلاف ما أمر به أو ما نهى عنه لدل على عجزه قياسا على الشاهد بل مخالفة أمر الملك في الشاهد أدل على عجزه من مخالفة إرادته.
صفحة ٧٤