واعلم: أنه لا محصول لشيء من هذا الخلاف؛ لأنهم متفقون على أن الله تعالى خالق لجميع الأفعال، وأنه لا يوجد شيء إلا بقدرته، فلا بد أن يكون التكليف بالأفعال تكليفا لما لا يطاق ولا ينجيهم من ذلك قولهم: إن للمؤمن قدرة على الإيمان، وللكافر قدرة على الكفر؛ لأنه لا معنى لذلك إلا أن الله أوجد الفعل عندها على ما يقولون، (والدليل على ذلك) الذي ذهبنا إليه أن تكليف مالا يطاق قبيح مع أنه معلوم قبحه على الجملة ضرورة لا يختلف فيه أهل العدل، وإنما اختلفوا في العلم بقبحه تفصيلا وفي وجه قبحه، وفي حق الله تعالى، فالشيخان: أبو الحسين ومحمود ابن الملاحمي طردا القضية وقالا: كل ذلك معلوم بالضرورة، قيل لهما: لو كان ذلك ضروريا لم يخالف المجبرة؟ فأجابا: بأنهم صنفان: عوام وعلماء، فالعلماء منهم قلة فيجوز منهم التواطؤ على إنكار الضرورة لأغراض دنيوية، والعوام هم السواد منهم ومن غيرهم، وهم أتباع للناعق.
والذي عليه جمهور العدلية أنه لا يعلم قبح تكليف مالا يطاق مفصلا وفي حق الله إلا استدلالا.
وقالوا: على ذلك (إن تكليف مالا يطاق قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح).
فإن قيل: (و) ما (الذي يدل على أن تكليف مالا يطاق قبيح)؟
قيل له: (هو معلوم) قبحه (ضرورة في حق الشاهد، ألا ترى أنه يقبح في الشاهد منا أن يأمر الأعمى بنقط المصحف، وأن يأمر المقعد بالجري مع الخيل العربية، وأن يأمر من لا جناح له بالطيران، وقبح ذلك معلوم ضرورة، ولم يقبح ذلك إلا لكونه تكليفا لما لا يطاق) بدليل أن من علمه كذلك علم قبحه، وإن جهل كل أمر من سمع وغيره، (فلو كلف الله تعالى عباده مالا يقدرون عليه لكان قبيحا، والله تعالى لا يفعل القبيح).
ولهم شبه من جهة السمع والعقل، فأما السمع فلا مدخل له في هذه المسألة؛ لأنها ممالا يصح الاحتجاج فيها به عند البعض.
صفحة ٦٨