وأيضا فقد وقع الإجماع على أن قضاء الله حق، لقوله تعالى: {والله يقضي بالحق}[غافر:20].
ووقع الإجماع على أن الكفر باطل كما قال تعالى: {وزهق الباطل}[الإسراء:81] فلو كانت المعاصي بقضائه لكانت حقا.
وأيضا إذا جاز القضاء بالمعاصي بمعنى الخلق جاز القضاء بمعنى الأمر ؛ لأنه ليس الأمر بالكفر بأبلغ من فعله في الكافر ومنعه من الإيمان.
واعلم: أنه قد اختلف في بيان القدرية واتفق الناس على أنه اسم ذم لما ورد الأمر بذمهم ولعنهم، والنهي عن مجالستهم وتشبيههم بالمجوس، فعندنا أن المجبرة المعنيون به ودليلنا اللغة والمعنى والآثار.
أما اللغة: فهو أن الاسم إنما يشتقه أهل اللغة لمن أثبت الشيء لا لمن نفاه، والخصوم أثبتوا القدر بالمعنى المختلف فيه، ونحن ننفيه فهم أحق بهذا الاسم، كما أن الموحد من أثبت الواحد، والثنوي من أثبت الثاني، والمجسم من أثبت التجسيم، فكذلك القدري من أثبت القدر، هكذا قيل، وفي العبارة وهم؛ لأن القدري ليس مشتقا من القدر بل منسوب إليه إذ هو اسم القدر زيدت عليه ياء النسبة، فالأولى في تحرير العبارة أن القدرية اسم نسبة.
فإن قيل: قد أثبتم يا عدلية القدر؛ لأنكم تجعلون المعاصي بقدر العبد فصحت النسبة والاشتقاق، فأنتم إذا القدرية؟
فالجواب: أن هذه ليست من عبارات العدلية ولا يتولعون بذكر القدر بخلاف المجبرة، ولا يقال أنه منسوب إلى القدرة، فأنتم تقولون بها؛ لأنكم تثبتون القدرة على أفعالكم؛ لأنا نقول: لو كانت كذلك لكنتم أيضا قدرية؛ لأنكم تثبتون القدرة لله تعالى، وأكثركم يثبت القدرة للعباد، ويلزم أن يكون الله قدريا.
صفحة ٦٣