واعلم: أنه يلزم المكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر فيما لم
يزل وفيما لا يزال، ولا يجوز خروجه عن هذه الصفة في حال من الأحوال، ويعلم أنه تعالى قادر على جميع أجناس المقدورات، ومن كل جنس على مالا يتناهى، فلا تنحصر مقدوراته جل وعلا جنسا ولا عددا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
(المسألة الثالثة: أن الله سبحانه عالم)
قال القرشي: حقيقة العالم: هو المختص بصفة؛ لكونه عليها لمكانها يصح منه الإحكام تحقيقا أو تقديرا، وزاد غيره إذا لم يكن ثم مانع، ولا ما يجري مجراه، فقوله: المختص بصفة جنس الحد، وقوله لمكانها: يعني لاختصاصه بها، وقوله: يصح منه الإحكام، أي يصح منه الفعل المحكم، وهو فصل يخرج غير المحدود، ومعنى الإحكام: إيجاد فعل عقيب فعل، أو مع فعل على وجه لا يتأتى من كل قادر ابتداء، والمحكم (بكسر الكاف) : هو المرتب لذلك، والمحكم (بفتح الكاف): هو الفعل المرتب، وقوله: في الحد أو تقديرا، أراد به مالا يكون مقدورا كفعل الغير، أو يكون مقدورا لكن لا يصح إحكامه كالفعل الواحد، فإن ما هذا حاله يصح إحكامه تقديرا بمعنى أنه لو كان مقدورا، ومما يصح ترتيبه لأحكمناه، والمراد بالمانع: الضد، كأن يريد أحدنا كتابة فيمسك الغير يده، فيفعل من الأكوان ضد ما يريد الكاتب فعله، والذي يجري مجراه عدم الآلات كعدم القلم، وقد أورد على هذا الحد أسئلة وأجيب عنها.
وقال أبو الحسين وابن الملاحمي: العالم: هو المتبين لأمر من الأمور تبينا يمتنع معه في نفسه تجويز خلافه. انتهى.
واعترضه القرشي، وقال ابن حابس رحمه الله: هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييز كل منها بما يميزه، أو من أدرك الأشياء إدراك تمييز وإن لم يقدر على فعل محكم.
صفحة ٢٨