إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

الشوكاني ت. 1250 هجري
109

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

محقق

الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا

الناشر

دار الكتاب العربي

رقم الإصدار

الطبعة الأولى ١٤١٩هـ

سنة النشر

١٩٩٩م

الفصل السابع: في التَّقْرِيرُ ... الْبَحْثُ السَّابِعُ: فِي التَّقْرِيرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يسكت النبي ﷺ عَنْ إِنْكَارِ قَوْلٍ قِيلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي عَصْرِهِ وَعَلِمَ بِهِ. أَوْ "يَسْكَتَ"* عَنْ إِنْكَارِ فِعْلٍ فُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ فِي عَصْرِهِ وَعَلِمَ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَذَلِكَ كَأَكْلِ الْعِنَبِ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إِذَا دَلَّ التَّقْرِيرُ عَلَى انْتِفَاءِ الْحَرَجِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِمَنْ قَرَّرَ أَوْ يَعُمُّ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ؟ فَذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّقْرِيرَ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَعُمُّ وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ. وَقِيلَ يَعُمُّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إِذَا ارْتَفَعَ فِي حَقِّ وَاحِدٍ ارْتَفَعَ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُوَيْنِيُّ، وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ خِطَابِ الْوَاحِدِ وَسَيَأْتِي١ أَنَّهُ يَكُونُ غَيْرُ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ كَالْمُخَاطَبِ بِهِ وَنَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ الْمَازِرِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ التَّقْرِيرُ مَخَصَّصًا لِعُمُومٍ سَابِقٍ أَمَّا إِذَا كَانَ مُخَصَّصًا لِعُمُومٍ سَابِقٍ فَيَكُونُ لِمَنْ قُرِّرَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّقْرِيرُ فِي شَيْءٍ قَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَهُوَ الْحَقُّ. وَمِمَّا يَنْدَرِجُ تَحْتَ التَّقْرِيرِ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا، وَأَضَافَهُ إِلَى عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِ فَلَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّقْرِيرُ عَلَى الْقَوْلِ والفعل منه ﷺ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ. وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ ﷺ عَدَمَ سُقُوطِ وُجُوبِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِعِصْمَتِهِ فِي قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾ ٢ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّرُ مُنْقَادًا لِلشَّرْعِ، فَلَا يَكُونُ تَقْرِيرُ الْكَافِرِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ دَالًّا عَلَى الْجَوَازِ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَيَلْحَقُ بِالْكَافِرِ الْمُنَافِقُ وَخَالَفَهُ الْمَازِرِيُّ، وَقَالَ: إِنَّا نُجْرِي عَلَى الْمُنَافِقِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الظَّاهِرِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ النبي ﷺ كَانَ كَثِيرًا مَا يَسْكُتُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْمَوْعِظَةَ لَا تَنْفَعُهُمْ. وَإِذَا وَقَعَ من النبي ﷺ الِاسْتِبْشَارُ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، فَهُوَ أَقْوَى في الدلالة على الجواز.

* في "أ": أو سكت. _________ ١ انظر صفحة: "٣٢٤". ٢ جزء من الآية "٦٧" من سورة المائدة.

1 / 117