إعراب القراءات السبع وعللها ط العلمية
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ النَّارَ كَثُرَ دَوْرُهَا فِي الْقُرْآنِ فَأَمَالَهُ تَخْفِيفًا، وَالْجَارُ لَمَّا قَلَّ دَوْرُهُ فِي الْقُرْآنِ تَرَكَهُ عَلَى أَصْلِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو يُمِيلُ «الْكَافِرِينَ» فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يُمِيلُ «الْجَبَّارِينِ» فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعَيْنِ ﴿إِنَّ فِيهَا قوما جبارين،﴾ ﴿وإذا بطشتم بطشتم جبارين﴾.
- قوله تَعَالَى ﴿غِشَاوَةً﴾.
قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ «وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً» بِالنَّصْبِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ «غِشَاوَةٌ» بِالرَّفْعِ، فَمَنْ نَصَبَ أَضْمَرَ فِعْلًا، وَالتَّقْدِيرُ: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَاثِيَةِ: ﴿وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ وَالْعَرَبُ تُضْمِرُ الْفِعْلَ إِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ دَلِيلٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
سَقَوْا جَارَكَ الْغَيْمَانَ لَمَّا جَفَوْتَهُ ... وَقَلَّصَ عَنْ بَرْدِ الشَّرَابِ مَشَافِرُهُ
سَنَامًا وَمَحْضًا أَنْبَتَا اللَّحْمَ فَاكْتَسَتْ ... عِظَامُ امْرِئٍ مَا كَانَ يَشْبَعُ طَائِرُهُ
فَالتَّقْدِيرُ: سَقَوْا جَارَكَ لَبَنًا وَأَطْعَمُوهُ سَنَامًا، لِأَنَّ السَّنَامَ لَا يُسْقَى، وَقَالَ آخَرُ:
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا
مَعْنَاهُ: حَامِلًا رُمْحًا، لِأَنَّ الرُّمْحَ لَا يُتَقَلَّدُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ بِالنَّصْبِ كَذَلِكَ قَرَأَ الْأَعْرَجُ عَلَى تَقْدِيرِ: وَسَخَّرْنَا الطَّيْرَ.
وَمَنْ رَفَعَ «غِشَاوَةٌ» فَجَعَلَهُ ابْتِدَاءً وَ«عَلَى» خَبْرَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: غِشَاوَةٌ عَلَى أَبْصَارِهِمْ:
كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، وَعَلَى أَبِيكَ ثَوْبٌ، وَثَوْبٌ عَلَى أَبِيكَ، وَالْغِشَاوَةُ: الْغِطَاءُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
تَبِعْتُكَ إِذْ عَيْنِي عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾.
قَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «مَنْ يَقُولُ» بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ غُنَّةٍ.
وَالْبَاقُونَ يُدْغِمُونَ بِغُنَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النُّونَ الْخَفِيفَةَ السَّاكِنَةَ وَالتَّنْوِينَ تُظْهَرَانِ عِنْدَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ، وَيُدْغَمَانِ عِنْدَ سِتَّةٍ، وَيُخْفَيَانِ عِنْدَ بَاقِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ.
فَالْأَحْرُفُ السِّتَّةُ اللَّوَاتِي تُظْهَرُ «ن» عِنْدَهُنَّ هِيَ حُرُوفُ الْحَلْقِ: الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ، وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ، وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ، وَاللَّوَاتِي تُدْغَمَانِ عِنْدَهُنَّ الْيَاءُ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ، وَاللَّامُ بغير
1 / 43