يوجب ذاتين. فإنه لم تدرك في الحالتين ذات واحدة يطرأ عليها الوجود بل لا ذات للعالم قبل الحدوث، والقديم ذات قبل حدوث الكلام، علم على وجه مخالف للوجه الذي علم عليه بعد حدوث الكلام، يعبر عن ذلك الوجه بالسكوت وعن هذا بالكلام، فهما وجهان مختلفان أدركت عليهما ذات مستمرة الوجود في الحالتين وللذات هيئة وصفة وحالة بكونه ساكتًا، كما أن له هيئة بكونه متكلمًا، وكما له هيئة بكونه ساكتًا ومتحركًا وأبيض وأسود وهذه الموازنة مطابقة لا مخرج منها. الوجه الثاني في الانفصال هو أن يسلم أيضًا أن السكوت ليس بمعنى، وإنما يرجع ذلك إلى ذات منفكة عن الكلام، فالانفكاك عن الكلام حال للمنفك لا محالة ينعدم بطريان الكلام، فحال الانفكاك تسمى عدمًا أو وجودًا أو صفة أو هيئة، فقد انتفى الكلام والمنتفي قديم. وقد ذكرنا أن القديم لا ينتفي سواء كان ذاتًا أو حالًا أو صفة، وليست الاستحالة لكونه ذاتًا فقط بل لكونه قديمًا، ولا يلزم عدم العالم، فإنه انتفى مع القديم لأن عدم العالم ليس بذات ولا حصل منه حال لذات حتى يقدر تغيرها وتبدلها على الذات والفرق بينهما ظاهر. فإن قيل الأعراض كثيرة والخصم لا يدعي كون الباري محل حدوث شيء منها كالألوان والآلام واللذات وغيرها، وإنما الكلام في الصفات السبعة التي ذكرتموها ولا نزاع من جملتها في الحياة والقدرة، وإنما النزاع في ثلاثة: في القدرة والإرادة والعلم، وفي معنى العلم السمع والبصر عند من يثبتهما. وهذه الصفات الثلاثة لا بد أن تكون حادثة، ثم يستحيل أن تقوم بغيره، لأنه لا يكون متصفًا بها فيجب أن تقوم بذاته فيلزم منه كونه محلًا للحوادث.
أما العلم بالحوادث فقد ذهب جهم إلى أنها علوم حادثة وذلك لأن الله تعالى الآن عالم بأن العالم كان قد وجد قبل هذا، وهو في الأزل إن كان عالمًا بأنه كان قد وجد كان هذا جهلًا لا علمًا، وإذا لم يكن عالمًا بأنه قد وجد كان جهلًا لا علمًا، وإذا لم يكن عالمًا وهو الآن عالم فقد ظهر حدوث العلم بأن العالم كان قد وجد قبل هذا. وهكذا القول في كل حادث. وأما الإرادة فلا بد من حدوثها فإنها لو كانت قديمة لكان المراد معها. فإن القدرة والارادة مهما تمتا وارتفعت العوائق منها وجب حصول المراد، فكيف يتأخر المراد عن الإرادة والقدرة من غير عائق؟ فلهذا قالت المعتزلة بحدوث إرادة في غير محل وقالت الكرامية بحدوثها في ذاته وربما عبروا عنه بأنه يخلق ايجادًا في ذاته عند وجود كل موجود وهذا راجع إلى الارادة.
1 / 83