القول ساكتًا، ويكون سكوته قديمًا. وإذا قال جهم أنه يحدث في ذاته علمًا فلا بد أن يكون قبله غافلًا وتكون غفلته قديمة.
فنقول: السكوت القديم والغفلة القديمة يستحيل بطلانهما لما سبق من الدليل على استحالة عدم القديم. فإن قيل السكوت ليس بشيء إنما يرجع إلى عدم الكلام، والغفلة ترجع إلى عدم العلم والجهل وأضداده، فإذا وجد الكلام لم يبطل شيء إذ لم يكن شيء إلا الذات القديمة، وهي باقية، ولكن انضاف إليها موجود آخر وهو الكلام والعلم. فأما أن يقال: انعدم شيء فلان ويتنزل ذلك منزلة وجود العالم، فإنه يبطل العدم القديم ولكن العدم ليس بشيء حتى يوصف بالقدم ويقدر بطلانه. والواجب من وجهين أحدهما أن قول القائل السكوت هو عدم الكلام وليس بصفة والغفلة عدم العلم وليست بصفة، كقوله البياض هو عدم السواد وسائر الألوان وليس بلون. والسكون هو عدم الحركة وليس بعرض، وذلك محال. والدليل الذي دل على استحالته بعينه يدل على استحالة هذا، والخصوم في هذه المسألة معترفون بأن السكون وصف زائد على عدم الحركة، فإن كل من يدعي أن السكون هو عدم الحركة لا يقدر على اثبات حدوث العالم. فظهور الحركة بعد السكون إذًا دل على حدوث المتحرك، فكذلك ظهور الكلام بعد السكوت يدل على حدوث المتكلم، من غير فرق. إذ المسلك الذي به يعرف كون السكون معنى هو مضاد للحركة بعينه يعرف به كون السكوت معنى يضاد الكلام، وكون الغفلة معنى يضاد العلم، وهو أنا إذا أدركنا تفرقة بين حالتي الذات الساكنة والمتحركة فإن الذات مدركة على الحالتين. والتفرقة مدركة بين الحالتين ولا نرجع التفرقة إلى زوال أمر وحدوث أمر فإن الشيء لا يفارق نفسه، فدل ذلك على أن كل قابل للشيء فلا يخلو عنه، أو عن ضده وهذا مطرد في الكلام، وفي العلم. ولا يلزم على هذا الفرق بين وجود العلم وعدمه، فإن ذلك لا
1 / 82