الإقليم: مقدمة قصيرة

بول أرون ت. 1450 هجري
46

الإقليم: مقدمة قصيرة

تصانيف

كان سكان الضفة الغربية يحملون بطاقة إثبات هويتهم في حافظات برتقالية اللون، وحمراء للغزيين، وزرقاء للإسرائيليين. بالمثل، كانت السيارات تميز بسهولة من لوحات الترخيص ذات الشفرة اللونية؛ فكانت لوحات الإسرائيليين صفراء، ولوحات سكان الضفة الغربية زرقاء. كذلك كانت لوحات سكان الضفة الغربية الزرقاء تحوي حرفا عبريا كان يحدد الدائرة التي جرى تسجيل السيارة فيها. (2002ب، 206)

يتم فتح وإغلاق الحدود، كما سنرى، بحسب مشيئة السلطات، وأحيانا بطرق تبدو تعسفية للغاية:

حتى عند فتح نقطة التفتيش، كانت مكانا يبحث فيه جنود مسلحون تسليحا قويا عن أسباب لفتح النيران، أو احتجاز الناس. وكان هذا وحده كفيلا بجعل عبورها أمرا خطيرا؛ فقد كان من الممكن أن يكون عبورها أول خطوة نحو الاحتجاز، الذي يمكن أن يتطور إلى تجربة مع الاعتقال والتعذيب بينما يكون الشخص رهن الاستجواب والتحقيق. وهذا التهديد المحتمل بالعنف الجسدي جعل العنف الرمزي أيضا شائعا للغاية؛ فغالبا ما كان الفلسطينيون يواجهون الإذلال البسيط والمؤلم في الوقت نفسه عند خضوعهم للاستجواب أو التفتيش المهين من قبل أحد الجنود. حتى إذا لم يحدث أي شيء من هذا، كان عبور الخط الأخضر بسلام يعد شكلا من أشكال العنف الاقتصادي الذي كان من شأنه تقييد حقوق العمال والشركات الفلسطينية المحتملة. إن الحدود الجيوسياسية شكل مهم من أشكال العنف الحاد الذي غالبا ما يكون أساسا لأشكال تنظيمية من العنف. (2002ب، 16)

هذه هي الإقليمية في شكلها العملي في حياة كل من المسيطر عليهم والمسيطرون.

إن الحد الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل عبارة عن سياج مكهرب، وفي سبيل دخول إسرائيل من غزة ينبغي أن يعبر الفلسطينيون خمس محطات فحص. ووفقا للصحافية الإسرائيلية والناشطة المناهضة للاحتلال أميرة هاس: «محطة الفحص الخامسة عبارة عن صف من تسع عشرة بوابة دوارة تفتح على ما يسمى «مربع إسرائيل»؛ أي المنطقة الإسرائيلية. هنا تفرض شاشات الكمبيوتر وأجهزة كشف المعادن والبوابات الإلكترونية أمنا فعالا لا هوادة فيه؛ فأي شخص أفلت حتى الآن لن يستطيع التحرك لأبعد من ذلك» (1999، 268). ولا يواجه المستوطنون الإسرائيليون أي عقبات في المرور إلى غزة، ولما كان ذلك يعكس نوعا من الوعي الإقليمي المعكوس، تكتب هاس قائلة: «كانت كلمة «الداخل» مقلوبة؛ فقد كانت الأرض داخل حدود إسرائيل عام 1967، بما فيها كل المدن والقرى الفلسطينية، يشار إليها ب «الداخل»، جزئيا كوسيلة لتجنب النطق باسم إسرائيل، ولكن أيضا بسبب الحقيقة الجيوسياسية التي مفادها أنه حتى عام 1967 كان جميع اللاجئين من داخل الحدود يعيشون خارجها. ففي شريط أرضي مساحته 147 ميلا مربعا لا مخرج له، أصبحت كلمة «الداخل» مرادفة للمساحات المفتوحة على مصراعيها» (1999، 170). (4-2) المخيمات

من المكونات الرئيسية لمنظومة السيطرة الإقليمية الإسرائيلية معسكرات اللاجئين المزعومة حيث استقر المهجرون وذريتهم. وهي «مزعومة» لأنه في الوقت الذي يحتفظ به معظم سكان هذه الأماكن بصفة «اللاجئ» القانونية، ولدت الغالبية العظمى حاملة هذه الصفة المحددة إقليميا، ولم يذهبوا مطلقا إلى موطنهم. كذلك، إذا كانت كلمة «مخيم» تشير إلى مأوى مؤقت، فإن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، التي مر عليها الآن أكثر من 50 عاما، أشبه بأحياء حضرية قذرة. وإذا كان الفلسطينيون على الجانب الآخر من الخط الأخضر «حاضرين غائبين»، فالكثير خارجه «مؤقتون دائمون»؛ فثلث الفلسطينيين مقيدون كلاجئين، وثلث هؤلاء اللاجئين يعيشون في مخيمات في سوريا والأردن ولبنان، و40 بالمائة من الناس في الضفة الغربية و70 بالمائة من الغزيين لاجئون (

www.un.org/unrwa ). وتشكل المخيمات جغرافيا للتشتت والاحتواء؛ فبعض الخدمات تقدم من قبل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتعد هذه أكبر الوكالات التابعة للأمم المتحدة، وهي أيضا أكبر جهة تشغيل للفلسطينيين.

يوجد ثمانية مخيمات في قطاع غزة، ويقيم فيها نحو 339 ألف نسمة، يشكلون 55٪ من اللاجئين. أما بقية اللاجئين، ويبلغ عددهم نحو 320 ألف نسمة، فقد انتشروا عبر أحياء غزة السكنية القديمة والحديثة؛ ففي مخيم الشاطئ الذي يقع على مشارف مدينة غزة، يعيش 66 ألف نسمة على 186 فدانا. أما مخيم البريج، الواقع في وسط القطاع، فقد كان معسكرا للجيش البريطاني. وفي عام 1948، تم إيواء نحو 13 ألف لاجئ ممن تجمعوا هناك في سقيفات قديمة تابعة للجيش، بينما عاش الباقون في خيام بالقرب من المخيم على إجمالي مساحة 132 فدانا، وقد تضخم هذا العدد اليوم ليصل إلى 27 ألفا. (هاس 1999، 171)

ومثلما يقسم الخط الأخضر هوية الفلسطينيين ووعيهم، كذلك تزيد المخيمات من تقسيم هويات الفلسطينيين ووعيهم في الأراضي المحتلة؛ فثمة اختلافات ملموسة بين سكان المخيمات والغزيين الأصليين غير اللاجئين، أو المواطنين. وكما يقرر أحد مصادر معلومات هاس:

كلما توجهت إلى السوق بصحبة والدتي، تشير لي إلى الحد الفاصل بين المخيم والمدينة؛ فنحن المهجرون نخرج للتظاهر ضد الجنود، ولكن أبناء «المواطنين» لم يكونوا لينضموا إلينا. وحين كنا نهرع إلى بساتين البرتقال للهروب من الجنود، كان «المواطنون» يطاردوننا لأنهم كانوا خائفين، وبدأت في الاعتقاد بأن أبناء المدينة كانوا على علاقات طيبة مع الاحتلال. (هاس 1999، 176)

صفحة غير معروفة