إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية

أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان ت. 1422 هجري
94

إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية

تصانيف

التصوف

دخل رجل على المأمون كان يمشي في الناس فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر دون أن يكون مأمورا من قبل الخليفة، فاستدعاه المأمون، وقال له: لم تأمر وتنهى وقد جعل الله ذلك إلينا، ونحن الذين قال الله فيهم: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}؟ فقال الرجل: صدقت يا أمير المؤمنين، أنت كما وصفت نفسك من السلطان والتمكن غير أنا أولياؤك وأعوانك فيه، ولا ينكر ذلك إلا من جهل كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال الله جل وعلا وتقدس: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» فأعجب المأمون بكلامه وسر به، وقال: مثلك يجوز أن يأمر بالمعروف فامض على ما كنت عليه بأمرنا وعن رأينا.

وهكذا حين أحسن الرجل الاحتجاج بالقرآن والسنة انقطعت حجة المأمون، ولم يجد بدا من إقرار الرجل على طريقته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعكس هذا الرجل، دخل واعظ على المأمون فوعظه وأغلط عليه في القول، فقال له المأمون: يا رجل، ارفق فإن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، بعث موسى وهارون إلى فرعون، فأوصاهما بقوله: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}.

وهنا كان موقف المأمون هو الأقوى؛ لأن الدليل معه.

بعث الأمير طاهر بن عبدالله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم على يد رسوله، فدخل عليه بعد صلاة العصر وهو يأكل الخبز مع الفجل، فوضع كيس الدراهم بين يديه، فقال: بعث الأمير طاهر بهذا المال إليك لتنفقه على أهلك، فقال: خذه خذه لا أحتاج إليه، فإن الشمس قد بلغت رؤوس الحيطان، وإنما تغرب بعد ساعة وأنا قد جاوزت الثمانين سنة إلى متى أعيش، فرد المال ولم يقبل، فأخذ الرسول المال وذهب ودخل على الشيخ ابنه، وقال: يا أبت ليس لنا الليلة خبز.

قال: فذهب بعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى صاحبه خوفا من أن يذهب ابنه خلف الرسول فيأخذ المال.

وقال أحد الزهاد للمنصور: أذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت ليلة مثلها، واذكر ليلة تمخض عن يوم القيامة لا ليلة بعدها.

صفحة ٩٥