إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية

أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحسن السلمان ت. 1422 هجري
93

إيقاظ أولي الهمم العالية إلى اغتنام الأيام الخالية

تصانيف

التصوف

أراد الوليد أن يولي يزيد بن مرثد القضاء، فبلغ ذلك يزيد، فلبس فروة وقلبها فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجا وأخذ بيده رغيف (أي خبزة) وعرقا (أي عظم عليه لحم) وخرج بلا رداء ولا قلنسوة (أي أصلع الرأس) ولا نعل ولا خف ويمشي في الأسواق ويأكل، فقيل للوليد: إن يزيد قد اختلط (أي خرف)، وأخبر بما فعل فتركه الوليد، قلت: وفعل يزيد يدل على ورعه وخوفه من تبعة القضاء؛ لأن القضاء فيه خطر عظيم؛ ولهذا قال العلماء: يحرم على من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه الدخول فيه.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ليأتين على القاضي العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في تمرة قط».

وفي لفظ يدعى القاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره قط.

ترك خلف البزار الرواية عن الكسائي، فلم يروي عنه مع أنه كان أستاذه وهو بحاجة إليه في تصنيفه كتاب «القراءات»، ولما أن ضايقوه لم لم يرو عنه.

قال: لقد سمعته يقول: قال لي سيدي الرشيد، فقلت: إن إنسانا مقدار الدنيا عنده أن يجل أهلها هذا الإجلال لحري أن يؤخذ عنه شيء من العلم.

قلت: لله دره حيث لم يطمئن قلبه لمن يعظم الدنيا.

فانظر رحمك الله إلى شدة ورعهم وترفعهم وتنزههم عن مخالطة الملوك وأهل الدنيا، وصيانة العلم وإعزازه وبمثل هذه الأخلاق العطرة والصفات الفاضلة عظم الإسلام وأهله.

صفحة ٩٤