إيقاظ همم أولي الأبصار
الناشر
دار المعرفة
مكان النشر
بيروت
وَغير ذَلِك مَا من روى عَنهُ كَيفَ يستوحش من مُفَارقَة وَاحِد مِنْهُم وَمَعَهُ السّنة الثَّابِتَة عَن النَّبِي ﷺ وَهُوَ الملجأ عِنْد الِاخْتِلَاف وَغير نَكِير أَن يخفى على الصاحب والصاحبين وَالثَّلَاثَة السّنة المأثورة عَن رَسُول الله ﷺ أَلا ترى أَن عمر فِي سَعَة علمه وَكَثْرَة لُزُومه لرَسُول الله ﷺ قد خَفِي عَلَيْهِ من تَوْرِيث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا وَحَدِيث دِيَة الْجَنِين وَحَدِيث الاسْتِئْذَان مَا علمه غَيره وخفي على ابي بكر حَدِيث تَوْرِيث الْجدّة فغيرهما أَحْرَى أَن يخفى عَلَيْهِ السّنة فِي خَواص الْأَحْكَام وَلَيْسَ شَيْء من هَذَا بضارهم وَقد كَانَ ابْن شهَاب وَهُوَ حبر عَظِيم من أَحْبَار هَذَا الدّين يَقُول مَا سَمِعت بِالنَّهْي عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع حَتَّى دخلت الشَّام وَالْعلم الْخَاص لَا يُنكر أَن يخفى على الْعَالم انْتهى
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر روى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك السبَاع إِذا ذكيت بِجُلُودِهَا حل بيعهَا ولباسها وَالصَّلَاة عَلَيْهَا وروى أَشهب عَن مَالك أَن مَالا يُؤْكَل لَحْمه لَا يطهر جلده بالدباغ وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم وَحَكَاهُ عَن أَشهب لَا يجوز تذكية السبَاع وَإِن ذكيت بِجُلُودِهَا لم يحل الِانْتِفَاع بِشَيْء من جلودها إِلَّا أَن يدبغ قَالَ أَبُو عمر قَول ابْن عبد الحكم وَمَا حَكَاهُ أَيْضا عَن أَشهب عَلَيْهِ الْفُقَهَاء من أجل النّظر والأثر بالحجاز وَالْعراق وَالشَّام وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي يشبه أصل مَالك فِي ذَلِك وَلَا يَصح أَن يتقلد غَيره لوضوح الدَّلَائِل عَلَيْهِ وَلَو لم يعْتَبر ذَلِك إِلَّا بِمَا ذبحه الْمحرم أَو ذبح فِي الْحرم إِذْ ذَاك لَا يكون ذَكَاة لأجل النَّهْي الْوَارِد وبالخنزير أَيْضا وَقد أجمع الْمُسلمُونَ أَن الْخلاف لَيْسَ بِحجَّة وَأَن عِنْده يلْزم طلب الدَّلِيل وَالْحجّة لتبين الْحق مِنْهُ وَقد بَان الدَّلِيل الْوَاضِح من السّنة الثَّابِتَة فِي تَحْرِيم السبَاع ومحال أَن تعْمل فِيهَا الذَّكَاة وَإِذا لم تعْمل فِيهَا الذَّكَاة فَأكْثر أحوالها أَن تكون ميتَة فَتطهر بالدباغ هَذَا أصح الْأَقَاوِيل فِي هَذَا الْبَاب وَلما رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك وَجه أَيْضا وَأما مَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فَلَا وَجه لَهُ يَصح إِلَّا مَا ذكرنَا من تأويلهم فِي النَّهْي أَنه على التَّنْزِيه لَا على التَّحْرِيم وَهَذَا تَأْوِيل ضَعِيف لَا يعضده دَلِيل صَحِيح وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى
قلت فقد بَان بِمَا ذكره أَبُو عمر ضعف مَا أَصله الْمُتَأَخّرُونَ من مُقْتَضى الْمَالِكِيَّة أَن قَول مَالك فِي الْمُدَوَّنَة مقدم على قَول غَيره فِيهَا وَفِي غَيرهَا وَقَول ابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة مقدم على قَول غَيره فِيهَا وَفِي غَيرهَا إِلَى آخر مَا أصلوا وَأَن القَوْل إِنَّمَا يتَرَجَّح بِالدَّلِيلِ من الْكتاب وَالسّنة أَو الْإِجْمَاع أَو الْقيَاس عَلَيْهَا لَا بِمُجَرَّد وجوده فِي كتاب معِين كالمدونة لِأَن رِوَايَة ابْن الْقَاسِم الَّتِي ضعفها أَبُو عمر هُنَا فِي الْمُدَوَّنَة وَقَول أَشهب وَابْن عبد الحكم الَّذِي صَححهُ هُنَا لَيْسَ
1 / 88