139

دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا

الناشر

بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية

مكان النشر

الرياض

تصانيف

المثال الثالث: القنوت، وأمْره بيّنٌ لا شبهة فيه عند التأمل التام. فإنه قد ثبت في الصحاح١ عن النبي ﷺ أنه قنت في الفجر مرة يدعو على رُعَل وذَكْوان وعُصَيّة ثم تركه، ولم يكن ترْكه نسخًا له، لأنه ثبت عنه في الصحاح أنه قنت بعد ذلك يدعو للمسلمين: مثل الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين، ويدعو على مضر٢. وثبت عنه أنه قنت أيضًا في المغرب والعشاء، وسائر الصلوات، قنوت استنصار. فهذا في الجملة منقول ثابت عنه، لكن اعتقد بعض العلماء من الكوفيين أنه تَرَكَه تَرْكَ نسخٍ، فاعتقد أن القنوت منسوخ، واعتقد بعضهم من المكيين أنه مازال يقنت في الفجر القنوت المتنازع فيه حتى فارق الدنيا. والذي عليه أهل المعرفة بالحديث أنه قَنَتَ لسبب، وَتَرَكَه لزوال السبب، فالقنوت من السنن العوارض لا الرواتب، لأنه ثبت أنه تركه لَمّا زال العارض، وثبت في الصحاح أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرًا، هكذا ثبت عن أنس وغيره، ولم ينقل أحد قط عنه أنه قنت القنوت المتنازع فيه -وهو القنوت الدائم في الصبح- لا قبل الركوع ولا بعده، ولا في كتب الصحاح والسنن شيء من ذلك، بل قد أنكر ذلك الصحابة كابن عمر وأبي مالك

١ يُنْظر صحيح البخاري: ١٤-الوتر، ٧- باب القنوت قبل الركوع وبعده الفتح: ٢/٤٨٩. ٢ البخاري: ١٥-الاستسقاء، ٢-باب دعاء النبي ﷺ: "اجْعلها عليهم سنين كسِنِيِّ يوسف" الفتح: ٢/٤٩٢.

1 / 157