المدخل لدراسة القرآن الكريم
الناشر
مكتبه السنة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) [القيامة: ١٦] قال: «كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه ...» (١) وهذه الشدّة لن تكون إلا في الحالة الأولى.
وروى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي ﷺ فقلت: هل تحسّ بالوحي فقال رسول الله ﷺ: «أسمع صلاصل، ثم أسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى إليّ إلّا ظننت أن نفسي تقبض» رواه أحمد، وروى ابن جرير أن النبي ﷺ كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها (٢) فما تستطيع أن تحرك حتى يسرّى عنه، وعن زيد بن ثابت- ﵁ أنزل على رسول الله ﷺ وفخذه على فخذي، فكادت ترضّ (٣) فخذي (٤)، رواه البخاري في الصحيح.
وأيضا فلو أنزل شيء من القرآن في الحالة الثانية وهي مجيء جبريل- ﵇ في صورة رجل لكان هذا مثارا للشك، والتلبيس على ضعفاء الإيمان، ولكان فيه مستند للمشركين في قولهم: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ....
وقد أشار الله ﵎ إلى هذا في قوله حكاية لمقالة المشركين وردّا عليهم: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) (٥) [الأنعام: ٨ - ٩]، فكان من الرحمة بالعباد، وعدم التلبيس عليهم أن لا ينزل القرآن إلا في هذا الجو الملائكيّ، الروحانيّ.
(١) صحيح البخاري- باب كيف كان بدء الوحي. (٢) الجران: باطن العنق. (٣) تكسر عظامها. (٤) تفسير ابن كثير ج ٩ ص ٢٧ - ٢٨. (٥) لقضي الأمر بإهلاكهم، فقد جرت سنة الله مع الكافرين أنهم إذا سألوا أسئلة تعنتية، ثم أجيبوا أن يهلكهم.
1 / 66