المدخل لدراسة القرآن الكريم
الناشر
مكتبه السنة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
القاهرة
تصانيف
القول الثالث:
إن أول ما نزل سورة «الفاتحة» وقد عزا هذا القول الزمخشري في «كشافه» إلى أكثر المفسرين، ورد عليه الحافظ ابن حجر: بأن هذا القول لم يقل به إلا عدد أقل من القليل، وإلى هذا الرأي مال الأستاذ الإمام الشيخ: محمد عبده في تفسير سورة «الفاتحة».
وقد استدل الذاهبون إليه بما رواه البيهقي في «دلائل النبوة» والواحدي بسنده عن أبي ميسرة- عمرو بن شرحبيل- أن رسول الله ﷺ قال لخديجة: «إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، فقد- والله- خشيت أن يكون هذا أمرا» (١) فقالت: معاذ الله! ما كان الله ليفعل بك (٢)، فو الله: إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له، وقالت: اذهب مع محمد إلى «ورقة» - يعني ابن نوفل- فانطلقا، فقصا عليه، فقال: «إذا خلوت وحدي سمعت نداء من خلفي: يا محمد، يا محمد فأنطلق هاربا في الأفق»!! فقال: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني، فأخبرني.
فلما خلا ناداه: يا محمد قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) حتى بلغ وَلَا الضَّالِّينَ .. الحديث.
ويجاب عن هذا القول: بأنه حديث مرسل، وإن كان رجاله ثقات فلا يعارض حديث عائشة المرفوع، فالراجح هو الأول.
أقول: وليس فيه التنصيص على أن الفاتحة أول ما نزلت، فيجوز- على فرض صحة هذا المرسل أن تكون من أوائل ما نزل، وإلى هذا ذهب البيهقي قال: وإن كان- أي المرسل- محفوظا فيحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعد ما نزلت عليه «اقرأ» و«المدثر» (٣) والظاهر أن الفاتحة من أوائل
(١) يعني شيئا أكرهه، أو يراد به لي الضرر. (٢) أي شيئا تكرهه، أو يلحق به ضررا، لأن أخلاقك تبعد عنك أي سوء. (٣) الإتقان ج ١ ص ٢٤.
1 / 115