المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية
الناشر
دار النفائس للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٨ هـ - ١٩٩٨ م
مكان النشر
الأردن
تصانيف
المبحث الرابع جهود علماء المذهب في تأصيل المذهب وتصحيحه
بذل علماء كل مذهب جهودًا كبيرة في تأصيل مذهب إمامهم وتقعيده وتصحيحه وسنعرض لهذه الجهود بشيء من التفصيل
المطلب الأول: جهودهم في فقه أقوال الإمام وتحديد مذهبه
درس أصحاب كل مذهب الثروة العلمية التي تركها إمام المذهب، واستخلصوا من أقواله ومروياته مذهبه في المسائل المختلفة.
وكلام الإمام في مسألة ما قد يكون صريحًا واضحًا لا تختلف العقول في فهمه، كأن ينص في مسألة على التحريم أو الوجوب أو الإباحة، فلا يختلف أصحابه وعلماء مذهبه في أن مذهبه في تلك المسألة هو ما نص عليه.
وقد يعبر تعبيرًا تختلف العقول في تحديد مراده من كلامه، فإن بيَّن الإمام مراده من التعبيرات التي تختلف فيها الأنظار، فإنه يجب فقه كلامه على النحو الذي دلَّ عليه.
وقد بين الإمام مالك رحمه الله تعالى مراده من بعض ألفاظه التي عبر بها في كتابه الموطأ، فأغنانا بذلك عن الاجتهاد والاختلاف في تحديد مراده من تلك الألفاظ.
فقال مالك: "أما أكثر ما في الكتاب "فرأيي" فلعمري ما هو برأيي، ولكنه سماع من غير واحد من أهل العلم والفضل والأئمة المهتدى بهم الذين أخذت عنهم، وهم الذين كانوا يتقون الله تعالى، فكثر عليَّ، فقلت: "رأيي"، وذلك رأيي إذ كان رأيهم رأي الصحابة الذين أدركوهم عليه، وأدركتهم أنا على ذلك.
فهذا وراثة توارثناها قرنا عن قرن إلى زماننا، وما كان "رأيا" فهو رأي جماعة ممن تقدم من الأئمة، وما كان فيه "الأمر المجتمع عليه"، فهو ما
1 / 56