مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه
الناشر
دار القلم / دار الشاميه
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م
مكان النشر
دمشق / بيروت
تصانيف
٢ - الكلام من وراء حجاب، أي أن يكلّمه الله تعالى بكلام يسمعه ولا يرى المتكلم سبحانه، والحجاب هنا راجع لمكان الكلام كما هو واضح. وقد كلّم الله تعالى موسى- ﵇ من وراء الشجرة- الحجاب- كما قال تعالى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) [سورة القصص، الآية ٣٠]. وقال تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا (١٦٤) [سورة النساء، الآية ١٦٤].
٣ - تكليم النبيّ بواسطة ملك الوحي، وهو جبريل- ﵇. غير أن جبريل كان ينزل على النبيّ ﷺ بأسلوبين أو على شكلين: الأول: أن يأتيه ملك
الوحي في مثل صلصلة الجرس. والثاني: أن يتمثل له الملك رجلا فيكلّمه فيعي عنه ما يقول، أخرج البخاري عن عائشة- ﵂:
أن الحارث بن هشام سأل رسول الله ﷺ: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا!».
وقد تمّ الوحي بالقرآن الكريم، بلفظه ومعناه جميعا، على الأسلوب الأول، أو الكيفية الأولى .. والتي هي أكثر صور الوحي شيوعا، قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) [سورة الشعراء، الآيات ١٩٣ - ١٩٤].
وقال تعالى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [سورة البقرة، الآية ٩٧].
وفي هذه الكيفية أو الصورة كان يهبط جبريل بصورته النورانية أو الملائكية (أي الغيبية) فلا يرى. وكان النبيّ الكريم- صلوات الله وسلامه عليه- يجد فيها
1 / 67