5
مقدسا، فينقشون به صلواتهم أو آثارهم مع وجود الحرف الديموطيقي،
6
وهو أخف على الأيدي.
وكما عند البوذيين الآن، فإنهم في شمال آسيا يؤثرون القلم التبتي، وفي جنوبها القلم البالي بالنسبة إلى أحد آلهة الهنود.
وكما عند المجوس من أتباع زرادشت، فإن القلم الفهلوي (البهلوي) لا يزال شائعا ومستعملا لتدوين كتب الدين عندهم، والزرادشتيون يعدون اللسان الفهلوي أيضا لسانا مقدسا؛ لأنه لغة دينهم فيفضلون تدوينه به، وقد أسلفنا في الكلام على اللغة الفارسية أن اللسان الفهلوي أخذ بالزوال أمام العربية شيئا فشيئا حتى ذهب عن الألسنة، ولكنه ظل في الكتب، ولا سيما كتب الدين القديم على مذهب الزرادشتية.
وأمثلة ذلك كثيرة عند الأمم، ولا عجب؛ فإن كثيرا من الأمم، ولا سيما أهل الأديان منهم يتبركون بالخط الذي كانت تكتب به لغة دينهم، ويعدونه أثرا دينيا، إن لم يعتبروه جزءا من الدين، فهم يحافظون عليه أكثر من محافظة بعضهم على لغته (كما رأيت عند اليهود وغيرهم)، ويؤثرونه على غيره من الأقلام التي كانوا يستعملونها قبل اعتناقهم أديانهم، فيئول الأمر إلى إماتة تلك الخطوط، ولكي يتبين جليا أن الدين من أقوى الأسباب الفاعلة في انتشار الخطوط واللغات واندثارها، وإحيائها إماتتها، نأتي هنا على ذكر الخطوط التي ماتت بانتشار الخط العربي ونتبعه باللغات التي ماتت بانتشار اللغة العربية.
الفصل الرابع
الخطوط التي ورثها الخط العربي
كان سكان العالم الإسلامي قبل أن يفتحه المسلمون يكتبون بخطوط البلاد الأصلية، ويتكلمون لغاتها السريانية والآرامية واليونانية في العراق والشام، والقبطية بمصر، والفارسية في بلاد فارس، والتركية في التركستان بما وراء النهر، والبربرية في شمال أفريقيا، فلما جاء الإسلام أخذ العنصر العربي يتغلب على عناصرهم، والخط العربي يتغلب على خطوطهم، واللغة العربية تتغلب على ألسنتهم، والإسلام يتغلب على أديانهم، حتى ساد الإسلام عليهم جميعا، وانتشر الخط العربي بينهم، وعمت اللغة العربية البلاد الواقعة غربي دجلة وهي العراق والشام ومصر وأفريقيا والسودان، وصارت تعد بلادا عربية وأكثرها مسلمون، وانقرضت الخطوط واللغات التي كانت منتشرة فيها إلا بقايا قليلة من السريانية في بعض القرى المتباعدة من الشام والعراق، أما شرقي دجلة بفارس والتركستان والهند فقد ساد الإسلام فيها أيضا، وانتشرت اللغة العربية بين أهل العلم، ولكن ألسنة البلاد ظلت حية يتفاهمون بها إلى الآن، أما الخط العربي فقد انتشر بالإسلام بين الجميع، وإليك مجمل انتشاره، وذكر الخطوط الذي ورثها في سيره.
صفحة غير معروفة