الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
أما أولا: فلأن الطهارة واردة على جهة التعبد لا يعقل معناها كما مر بيانه، لاختصاصها بأوقات وكيفيات لا يعلم خصائصها إلا الله، ولهذا كانت مفتقرة إلى النية لأجل كونها عبادة، فلهذا وجبت على حد ما يوجبه الشرع، سواء كان هناك مرفوع أو لم يكن، ولهذا فإنا نوجب الطهارة في غير محل الحدث، فنوجبها في غسل أعضاء الوضوء وإن لم تكن محلا للأحداث، ونوجب الطهارة من التقاء الختانين، وإن لم يكن هناك إنزال يكون حدثا.
وأما ثانيا: فلا نسلم أنه ليس هناك مرفوع، بل المرفوع وإن لم يكن حسيا فهو رفع حكمي، وهو إزالة البلة التي تلحق باتصال النجاسة بالمحال، فبطل ما توهموه.
قالوا: الأعيان من جملة الأشياء الصقيلة بل هي من أعظمها في الصقالة، فلو أوجبنا غسلها عند وقوع النجاسة لأدى ذلك إلى الحرج والمشقة، وقد قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}[الحج:78]. فإذا سقط الغسل فيها سقط في غيرها إذ لا قائل بالفرق.
قلنا: عما ذكرتموه جوابان:
أما أولا: فلأنا لا نسلم أن في غسلها حرجا ومشقة، ولهذا ذهب إلى إيجاب غسلها في الوضوء ذاهبون كما سنوضحه؛ لأن الماء يجلوها.
وأما ثانيا: فهب أنا سلمنا سقوط الغسل عن الأعيان للحرج والمشقة، فلا يسقط عن غيرها إذ لا مشقة فيه ولا حرج، فالميسور لا يسقط بالمعسور، وغير الممكن إذا سقط لم يلزم سقوط الممكن فافترقا.
مسألة: الأشياء النجسة إذا استحالت عما كانت عليه، وهذا نحو أن تصير العذرة رمادا، والميتة ترابا، والكلب والخنزير إذا صارا ملحا في الملاحة إلى غير ذلك من الاستحالات، فهل تطهر أم لا؟ فيه مذهبان:
المذهب الأول: أنها تكون طاهرة، وهذا هو رأي القاسم والمؤيد بالله أخيرا، وهو محكي عن أبي حنيفة.
صفحة ٤٠٥