345

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

تصانيف

الفقه

الحجة الثالثة: هو أن ما هذا حاله لما كان الاحتراز منه متعذرا وتلحق المشقة في قليله، فلأجل هذا حفف الشرع الأمر في نجاسته لعظم البلوى به كما خفف الشرع حكم النجاسة في موضع النجو على رأي الفقهاء وكما رفع حكم النجاسات في صور كثيرة، فتقرر بما ذكرناه كونه طاهرا.

المذهب الثاني: أنه نجس معفو عنه وهذا هو رأي المؤيد بالله، ومحكي عن الشافعي.

والحجة [الأولى]: الآيتان اللتان ذكرناهما في التحريم حيث قال : {حرمت عليكم الميتة}[المائدة:3]. وقوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم}[النحل:115]. ولم يفصل هاهنا بين قليله وكثيره، وخروج القليل بدليل خاص لا يمنع من اندراجه تحت العموم لكنه خرج بدليل، وهذا هو مرادنا بكونه نجسا لكنه عفي عنه.

الحجة الثانية: خبر عمار، وهو قوله : (( إنما تغسل ثوبك من الدم والبول)). ولم يفصل بين قليله وكثيره، فدل ذلك على (أن) قليله موصوف بالنجاسة كما كان في الكثير.

الحجة الثالثة: من جهة القياس، وهو أن كل ما كان كثيره نجسا فقليله مثله في النجاسة كالبول والغائط والخمر وسائر النجاسات، ولأنه دم فوجب القضاء بكونه نجسا كالكثير منه وهذا تقرير الدلالة على المذهبين جميعا. والله الموفق.

والمختار: ماقاله المؤيد بالله ومن تابعه عليه من العلماء.

والحجة على ذلك: ما أوردناه في الاستدلال لهم ونزيد ههنا، وهو أن الأدلة الدالة على نجاسة الكثير منه مسترسلة على جميع الأجزاء وما خرج منه فإنما خرج بدلالة منفصلة وليس يكون مندرجا تحت العموم إلا والنجاسة شاملة لجميع أجزائه كما في قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين}[التوبة:5]. ثم قال:{وإن أحد من المشركين استجارك}[التوبة:6]. فهو وإن خرج بدلالة فالشرك شامل له، ولأنه مائع خرج من البدن يتعلق به نقض الطهارة فوجب أن يستوي فيه حكم قليله وكثيره في النجاسة، دليله: البول. أو نقول: يجب غسل الثوب منه للصلاة، فاستوى فيه القليل والكثير كدم الحيض والاستحاضة حيث قال عليه السلام: (( حتيه ثم اقرصيه ولا يضرك بعد ذلك أثره)). ولم يفصل بين قليله وكثيره فهذه الأدلة قاضية باستواء القليل والكثير فيه، والله أعلم.

صفحة ٣٥١