الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
تصانيف
والمختار: على رأي القائلين بالاستعمال، أنه يصير مستعملا، لأنه قد ارتفع به حدثه وأجزت صلاته، فأشبه وضوء غيره ممن يعتبر القربة فيه بالنية، فأما من لا يرى خروج الماء بالوضوء والغسل عن الاستعمال وأنه باق على التطهير لغيره كما قررناه من قبل، فلا كلام.
التفريع السادس: إزالة النجاسة ليست عبادة، ولهذا فإنه لا يفتقر إلى النية، لكن الماء يصير مستعملا بإزالة النجاسة؛ لأنه رفع بالماء مانع من الصلاة فأشبه رفع الحدث بالوضوء والغسل، فأما الغسالة الرابعة فهي طاهرة مطهرة باتفاق بين أئمة العترة؛ لأنها لم يزل بها حكم شرعي، فلهذا لم تكن مستعملة فهي كالماء المستعمل للتبرد، وأما الغسالة الثالثة، فهي طاهرة؛ لأنه حكم بطهارة المحل بورودها عليه فوجب الحكم بطهارتها.
وهل تكون مستعملة فلا ترفع الحدث ولا النجس أو تكون رافعة لهما؟ والأقرب على رأي أهل الاستعمال، أنها مستعملة؛ لأنها أثرت في زوال مانع من الصلاة وهو النجاسة فأشبهت ما يرفع به الحدث. وعلى رأي السيد أبي طالب وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، أنها طاهرة مطهرة تستعمل في رفع الحدث وإزالة النجاسة جميعا؛ لأنها كالرابعة على رأي المؤيد بالله، وأما الغسالة الثانية فإنها نجسة على رأي المؤيد بالله، فلا يزال بها حدث ولا نجس، ويحكم عليها بالطهارة على رأي السيد أبي طالب وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وهل تكون مستعلمة أم لا؟ فعلى رأي السيد أبي طالب تكون مستعملة، وهو قول أبي حنيفة، فلا يزال بها حدث ولا نجاسة، لأجل استعمالها. وعلى أحد قولي الشافعي أنها طاهرة يجوز إزالة الحدث والنجاسة بها، لا يتصل بها حكم الاستعمال، وأما الغسالة الأولى المتصلة بالنجاسة، فهي نجسة على رأي أئمة العترة ممن قال بأن الماء ينجس وإن لم يكن متغيرا، وهو قول أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وله قول آخر أنها لا تنجس إلا إذا تغيرت بالنجاسة.
فهذه التفريعات كلها إنما تكون على رأي من قال بتغير حكمه بالاستعمال، إما في كونه نجسا كما حكيناه عنهم، وإما في كونه غير مطهر ولا رافع للحدث ولا للنجاسة، فأما من لا يرى بنجاسة الماء القليل إذا لم يتغير فلا رفع للاستعمال على مذهبه كما هو رأي القاسم، وهو المختار كما مر بيانه؛ لأن النجاسة إذا لم تكن مغيرة للماء فالاستعمال أضعف حكما منها فلهذا لم تكن مغيرة لحكمه، وقد تم الكلام في الفصل الأول من باب المياه والله الموفق للصواب بلطفه.
صفحة ٢٥٦