الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
تصانيف
فإذا تمهدت هذه القاعدة فاعلم أن غرض الفقهاء بما قالوه مع التسليم في أنه لا يعقل في اتصاله بالماء إلا على جهة المجاورة ويستحيل عليها الانتقال، فعلى هذا تكون التفرقة بين المجاورة والمخالطة، هو أن المجاورة عبارة عن الاتصال بالماء مع حصول الخلل بين الأجزاء، ومن أجل ذلك قالوا: بأن اتصال النجاسة بالماء على جهة المجاورة لايوجب تنجيسه بخلاف المخالطة فإن اتصال أجزاء النجاسة بالماء على جهة المخالطة اتصال من غير أن يكون هناك خلل بينهما، بل هو جار على جهة الالتصاق. وعن هذا قالوا: بأن المخالطة توجب التنجيس، فإلى هذا يرجع وجه التفرقة عند الفقهاء بين المجاورة والمخالطة لا غير، مع كون المجاورة معتبرة فيهما لا محالة كما أوضحناه، فإذا حصلت المجاورة مع حصول الخلل اغتفر الشرع النجاسة في الماء، وإذا حصلت على جهة المخالطة من غير خلل لم يغتفرها، وكان محكوما عليه بالتنجيس، فهذا هو سر التفرقة بين المجاورة والمخالطة في ألسنة الفقهاء، فأما ما يتعلق بالمباحث العقلية فلا يقع هناك تفرقة بين المتكلمين بين ما يكون مخالطا ممازجا وبين ما لا يكون كذلك في أنه كله مجاورة، وما قاله الفقهاء من التفرقة بين ما يكون من النجاسة مخالطا وبين ما يكون مجاورا لكونه مأخوذا من جهة الظواهر الشرعية ومتفرعا على الأقيسة المخيلة الظنية، فلهذا كان التعويل عليه وكان أحق وأقيس.
مسألة: فإن كان الماء كثيرا وتغير بعضه بوقوع النجاسة، فالمتغير يكون نجسا لا محالة لما ذكرناه في المسألة الأولى، عند أئمة العترة وفقهاء الأمة.
والحجة: ما رويناه من الخبر فإنه لم يفصل بين أن يكون متغيرا كله أو بعضه من جهة أن الموجب للتنجيس إنما هو التغير، وهذا حاصل ها هنا.
وهل ينجس ما يكون متصلا به وإن لم يكن متغيرا؟ فيه مذهبان:
أحدهما: أنه لا يكون نجسا، وهذا هو قول أئمة العترة والفرق الثلاث: الحنفية والشافعية والمالكية.
والحجة على ذلك: ما رواه أبو سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله يقول: (( إن الماء طهور لا ينجسه شيء)). وقوله : (( خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير ريحه أو طعمه))، وهذا لم يتغير أحد أوصافه فيجب القضاء بطهارته، وما رواه ابن عباس عن النبي أنه قال: (( إن الماء لا يجنب))(¬1) فهذه الأحاديث كلها دالة على أن مالم يتغير فهو طاهر لا محالة.
صفحة ٢١٢