الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
تصانيف
وثانيهما: أن الإجماع منعقد من أهل العصر هذا على جواز ذلك، والإجماع حجة في كل عصر من الأعصار، فلأجل هذا كانوا أحق وأولى بالتقليد، ووجه آخر: وهو قوله : (( من عام إلى عام ترذلون))(¬1) فإذا كانوا على تكرار الأعصار وتخرم الزمان لا يزدادون إلا نقصا في كل أحوالهم من جهة الدين والدنيا، كان من سلف أكمل منهم درجة وأعلى همة في جميع الأمور، فلا جرم قضينا بكون من سبق أحق بالتقليد وأولى بالمتابعة؛ لأن كمالهم في العلم أكثر، واختصاصهم بالتقوى والورع أعظم وأوفر.
قوله: الميت لا يدرى حاله هل يرجع عن المسألة أم هو باق على القول بها؟ قلنا: الظاهر هو استمراره على القول بها التي مات وهو قائل بها وقد انقطع اجتهاده بموته.
قوله: الميت لا قول له في المسألة.
قلنا: هذا خطأ، فإن قوله معتبر في المسألة ولهذا فإن القوي أنه لا ينعقد إجماع مع مخالفته وإن كان ميتا، ولا تعد المسألة إجماعا مع خلافه، وفيه خلاف ذكرناه في الكتب الأصولية، فحصل من مجموع ما ذكرناه أن تقليد من سلف جائز من الأئمة والفقهاء، بل يكون أحق لما ذكرناه.
المطلب الثاني: في بيان من هو أحق بالتقليد ومن يكون أولى بالمتابعة ممن حاز منصب الاجتهاد من العلماء:
اعلم أن العوام لما كانوا لا هداية لهم إلى القيام بهذه التكاليف الشرعية وتأدية هذه العبادات العملية بأنفسهم فلا بد لهم من قدوة يعتمدونها وإمام يهتدون بهديه، ثم هل يكون العامي مخيرا في تقليد من شاء من أهل الاجتهاد، أو لابد له من مزيد نظر في طلب الأفضل؟ فيه تردد ونظر.
والمختار عندنا: أن عليه تكليفا في طلب الأفضل؛ لأن الذي دل على أنه واجب عليه التقليد فهو بعينه دال على أن عليه مزيد تكليف من تعرف من يكون أحق بالتقليد في الفضل وهذا ظاهر.
فإذا تمهدت هذه القاعدة فلنذكر ما يكون معتمد التقليد من المذاهب، فنقول:
صفحة ١٧١