الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197
تصانيف
فالغرض الأول منهما هو: أن العلم لما كان من أعلى المراتب وأسناها وأشرف المناقب وأرفعها وأحظاها، وأنفس الأعمال وأزكاها، وأشرف ما يخلفه الإنسان بعد الموت، لشرفه وعلو فائدته في الدين .. فأحببت أن يكون لي بعد الموت ما عسى أن يبقى ثوابه ولا ينفد أجره، تصديقا لقوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم}[يس:12]. وفي الحديث عن صاحب الشريعة صلوات الله عليه: (( إذا مات ابن آدم انقطع عنه سائر عمله إلا ثلاثة: علم ينتفع به، أو صدقة تجري، أو ولد صالح يدعو له ))(¬1).
والغرض الثاني: أن الله تعالى لما وفقني لإتمام كتاب (العمدة في المباحث الفقهية)(¬2) وكنت قد اقتصرت فيه على ذكر المذهب ودليله، وذكر من خالف مذهبنا أو وافق من علماء الأمة وفقهاء العامة، وألغيت ذكر أدلة المخالفين، وذكر المختار من الأقاويل في المسألة، وتقرير الحجة عليه، ووعدت في صدر الكتاب أن الله تعالى إن نفس لي في المهلة وتراخى الأجل ضممت إليه كتابا، فلما أنجز الله العدة، وصدق الرجاء بتنفيس المدة، ابتدأت بتأليف هذا الكتاب فأجعله كتبا، ثم أضمن الكتب أبوابا، ثم أحشو الأبواب فصولا، والفصول مسائل، فأذكر في كل مسألة من خالف فيها، وأورد لكل مجتهد حجته من الأدلة، ولم آل جهدا في تقرير كل مذهب من تلك المذاهب بدليله وإيراد أحسن ما أجده في نصرته وتقرير مقالته، حتى إذا أكملت المذاهب بأدلتها في المسألة، ذكرت المختار من تلك المذاهب وقررته بحجته، وأوردت الانتصار بإبطال ما خالفه، فصار في سياقه مرتبا على مراتب ثلاث:
المرتبة الأولى: أن تكون المسألة قد وقع فيها خوض من أئمة العترة وفقهاء الأمة، وتكرر فيها النظر، وطالت فيها الخصومة، وحصل فيها النزاع بينهم. وهذا هو الأكثر المطرد من جهة أن معظم المسائل قد خاضوا فيه، وأفتى كل واحد منهم على حسب ما يعن له من النظر ويقوى من الدليل الشرعي، وما هذا حاله من المسائل، أذكر لكل واحد منهم دليله وأوضحه، ثم أشفعه بذكر المختار من تلك المذاهب، وأذكر ترجيحه على غيره من تلك المذاهب المذكورة.
صفحة ١٢٧