أو أهل الحجاز أو السلف قائلون به وإن ادعى ذلك دون ما هو معلوم مسلم غير منازع فيه، فالشيعة أيضا تدعي وتروي أن مذاهبها التي انفردت بها هي مذاهب جعفر بن محمد الصادق ومحمد ابن علي الباقر وعلي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) بل تروي هذه المذاهب عن أمير المؤمنين علي (١) (صلوات الله عليه) وتسندها إليه، فاجعلوا لهم من ذلك ما جعلتموه لأبي حنيفة وللشافعي وفلان وفلان، أو أنزلوهم على أقل الأحوال منزلة ابن حنبل وداود ومحمد بن جرير الطبري فيما انفردوا به فإنكم تعدونهم خلافا فيما انفردوا به، ولا تعدون الشيعة خلافا فيما انفردوا به وهذا ظلم لهم وتحيف عليهم.
على أن من مذاهب أبي حنيفة التي استدركها بالقياس ما لا يمكنه أن يدعي أن له في القول بها سلفا من الصحابة ولا التابعين ولو شئنا لأشرنا إلى فروع كثيرة له بهذه الصفة فكيف لم تشنعوا عليه بأنه ذهب إلى ما لم يذهب إليه أحد قبله وشنعتم على الشيعة بمثل ذلك؟
فإن قالوا الفرق بين الأمرين: أن أبا حنيفة وإن تفرد بمذاهب قاده إليها القياس ولم يعلم سابق له إليها فإن تلك المسائل لم يجر لها في السلف ذكر ولا سبق لها حكم ولا خاض فيها أهل العلم فينعقد فيها إجماع أو خلاف، والشيعة انفردت بمذاهب تخالف ما علمنا إجماع السلف كلهم على خلاف قولهم فيها.
قلنا: قد مضى أن دعواكم إجماعا متقدما على خلاف ما يقوله الشيعة عارية من برهان، وأن القوم يسندون مذاهبهم إلى جماعة من السلف يخرج قولهم وخلافهم في تلك المسألة من أن تكون إجماعا على خلاف مذاهبهم.
صفحة ٧٧