23

انتقام!

تصانيف

قال بصوت واضح وصل إلى أبعد أذن في الحشد: «يا سادة، لا تفعلوا هذا. لا تلطخوا اسم بلدتنا الطاهر بوصمة لا تنمحي أبدا. لم يسبق قط أن تعرض أحد في هذه المقاطعة ولا في هذه الولاية للتنكيل الجماعي حتى الموت، حسب علمي. لو ظننت أن ذلك الوغد البائس القابع وراء هذه الأسوار سيهرب، أو أن أمواله ستنجيه، لسبقتكم أنا إلى تحطيم هذه الأبواب وإخراجه لشنقه على أقرب شجرة؛ وأنتم تعرفون عني ذلك.» وهنا علت الصيحات والهتافات. ثم واصل: «لكنه لن يهرب. ولا يمكن لأمواله أن تنقذه. سيعدم شنقا بالقانون. لا تظنوا أنني أطلب الرحمة به؛ بل أطلب القصاص منه!» وهز بوين قبضته ملوحا نحو السجن. وقال: «منذ سمع هذا الوغد صيحاتكم، استحالت حياته جحيما. وسيبقيه جبنه في هذا الجحيم إلى أن تحمله أرجله المرتعشة إلى المشنقة. أريده أن يبقى في جحيمه هذا إلى أن يهوي إلى الجحيم الآخر، إن وجد. أريده أن يعاني بعض الشقاء الذي سببه. إذا شرعنا في التنكيل به فسينتهي أمره ويموت في لحظة. لكني أريد أن يموت هذا القاتل ببطء بحكم القانون وعذابه الذي لا رحمة فيه.»

ارتعد لهذه الكلمات حتى أغلظ المحتشدين قلبا، وأدركوا جميعا من رؤيتهم لوجه بوين الذي ارتسمت عليه ملامح غضب كاد يتخطى حدود الآدمية أن تعطشه للانتقام يفوق تعطشهم له بكثير. فانفض الجمع تأثرا بكلماته. وألقى حامل الحبل الحبل من فوق سور السجن ليستقر في ساحته ونادى على رئيس الشرطة قائلا: «اعتن بهذا الحبل أيها العجوز، فستحتاج إليه.»

تفرق المحتشدون، وتوجه رئيس الشرطة إلى بوين ووضع يده على كتفه بحنو.

وقال: «بوين، يا بني، أنت شخص يعتمد عليه. وأنا مدين لك. لقد أخرجتني من مأزق عصيب. إذا وقعت في مأزق في أي وقت يا بوين، فالجأ إلي، وإذا كان ما ستحتاج إليه عندئذ هو الأموال أو النفوذ، فيمكن أن تحصل منها على كل ما يكفيك.»

رد بوين باقتضاب: «شكرا.» ولم يكن هذا الكلام يناسب المزاج الذي كان فيه.

وجرت الأمور كما توقع بوين، فلم تفلح كل أموال عائلة بريور ونفوذها في إنقاذ القاتل، وحكم عليه بالإعدام شنقا في السادسة من صباح الحادي والعشرين من سبتمبر، وهكذا هدأ سخط الرأي العام.

غير أنه ما إن أعلن الحكم وبات مصير الشاب محتوما، حتى طرأ على الرأي العام تغير غريب. فبدا أنه انحرف عما كان عليه. وظهر بالطبع الكثير من التعاطف مع عائلة الجاني. ثم كان هناك تعاطف كبير مع الجاني نفسه. وعاب الناس على فكرة إعدام أي رجل من الأساس. وبدأت السيدات يرسلن الزهور إلى زنزانة الجاني المدان. ففي نهاية المطاف لن تعود السيدة جونسون إلى الحياة بشنق هذا الشخص البائس. وغابت السيدة جونسون من ذاكرة الجميع ولم يعد أحد يتحدث عنها سوى رجل واحد ظل يصر أسنانه غيظا من سرعة تقلب الرأي العام.

ثم أرسلت عرائض الالتماس، وتولت الكنيسة الزعامة في تنسيقها. وتوسلت النساء من أجل أن يوقع الناس عليها، وقد كان. فوقع كل رجل وامرأة عليها. وفعل الجميع هذا فيما عدا رجل واحد، وحتى هذا الرجل نفسه ذرفت إحداهن أمامه دموعها تستجدي توقيعه، وتذكره بأن الانتقام الحقيقي هو انتقام الرب.

قال بوين كامدا: «لكن للرب أدواته، وأقسم لك يا سيدتي إنكم إن نجحتم في استصدار العفو عن هذا القاتل، فسأكون أنا الأداة التي ينفذ بها الرب انتقامه.»

قالت السيدة متوسلة: «أوه، لا تقل هذا.» ثم أردفت: «سيكون لتوقيعك أثر كبير. لقد كنت كريما مرة عندما أنقذته من تنكيل المحتشدين به حتى الموت، فلتكن كريما مرة أخرى بإنقاذه من حبل المشنقة.»

صفحة غير معروفة