الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء
الناشر
دار الكتب العلمية
مكان النشر
بيروت
وَمِمَّنْ أُخِذَ عَنْهُ أَيْضًا بِبَغْدَادَ
أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ
وَكَانَ عَالِمًا مُصَنِّفًا مُتْقِنًا وَكَانَتْ فَتْوَى السُّلْطَانِ تَدُورُ عَلَيْهِ وَكَانَ نَظَّارًا جَدَلِيًّا وَكَانَ فِيهِ كِبْرٌ عَظِيمٌ وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَدِمَ الشَّافِعِيُّ وَجَالَسَهُ وَسَمِعَ كُتُبَهُ انْتَقَلَ إِلَى مَذْهَبِهِ وَعَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَهُ أَوْضَاعٌ وَمُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ نَحْوٌ مِنْ مِائَتَيْ جُزْءٍ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ صَدَاقَةٌ وَكِيدَةٌ فَلَمَّا خَالَفَهُ فِي الْقُرْآنِ عَادَتْ تِلْكَ الصَّدَاقَةُ عَدَاوَةً فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْعَنُ عَلَى صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ وَمَنْ قَالَ الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ وَلا يَقُولُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلا مَخْلُوقٌ فَهُوَ وَاقِفِيٌّ وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَهُوَ مُبْتَدع وَكَانَ الكرابيسى وعبد الله بْنُ كِلابٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وطبقاتهم يَقُولُونَ ان الْقُرْآن الذى تكلم بِهِ الله صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَلْقُ وَإِنَّ تِلاوَةَ التَّالِي وَكَلامِهِ بِالْقُرْآنِ كَسْبٌ لَهُ وَفِعْلٌ لَهُ وَذَلِكَ مَخْلُوقٌ وَإِنَّهُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ وَشَبَّهُوهُ بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ للَّهِ وَهُوَ غَيْرُ اللَّهِ فَكَمَا يُؤْجَرُ فِي الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ فَكَذَلِكَ يُؤْجَرُ فِي التِّلاوَةِ وَحَكَى دَاوُدُ فِي كِتَابِ الْكَافِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَقَالُوا هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ وَهَجَرَتِ الْحَنْبَلِيَّةُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حُسَيْنًا الْكَرَابِيسِيَّ وَبَدَّعُوهُ وَطَعَنُوا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تُوُفِّيَ حُسَيْنٌ الْكَرَابِيسِيُّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَمِمَّنْ أَخَذَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا بِبَغْدَادَ
1 / 106