انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح

سيد القمني ت. 1443 هجري
151

انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح

تصانيف

القانون المدني في هذه الحال يمكن أن يدين ما فعل المستفتي والمفتي معا في خرقهما لكل قوانين العدل في الدنيا كلها؛ لذلك أقترح على السائل والمسئول ألا ينتظرا إدانة المحكمة المدنية لكليهما، خاصة أني لن آلو جهدا في السعي لحبس معظم أطراف الهبة التكفيرية، وقد تطوعت بمال هذه الجائزة جميعه في سبيل هذه المنى ومن أجل تلك البهجة وذلك السرور، ليذوقوا نتائج بعض عبثهم؛ لذلك أقدم لهما النصح مخلصا أن يقدما نفسيهما للمسلمين كمسلمين صادقين قولا وفعلا، ويظهرا أنهما أفضل إيمانا من سيد القمني ومن لجنة وزارة الثقافة وأي لجان أخرى، تعاليا أدلكما على طريق النجاة، فأذكركما أن الغامدية أصرت على الاعتراف بمخالفتها للشرع وطلبت القصاص حتى رجمت، وحتى قال النبي

صلى الله عليه وسلم

عنها: «لقد تابت توبة لو وزعت على الناس لوسعتهم جميعا.» فهل السائل والمسئول من الملائكة؟ ألم يرتكبا أي جرم ناهيك عن جرم هذه الفتوى الكارثية، لماذا لا يتقدم السائل (الذي سخر موقعه لسب سيد القمني وتكفيره وتدعيره لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر) إلى الحاكم ليكسب نيشان الغامدية ويقول إنه سب مسلما حسن الإسلام هو القمني ظلما وزورا، وأنه يطلب توقيع العقوبة على نفسه، أو ليستخرج من حياته مأثمة واحدة ليكون كالغامدية، لنروي بعدها رواية جمال سلطان الغامدي إلى جوار رواية الغامدية المؤسسة، وحتى يكون في تاريخنا أكثر من غامدية واحدة مفردة، ليشرف الإسلام بغامدي جديد بعد أن غاب الغامديون من تاريخنا الإسلامي أربعة عشر قرنا، وكذلك أن يذهب فضيلة المفتي إلى رئيس الجمهورية ليعترف ببعض آثامه البشرية ويطلب التشهير به ومعاقبته وتجريسه على ملأ كما فعل ماعز، أم أن كل رجال الدين من الأطهار ليس فيهم غامدي ولا ماعز عبر القرون السوالف؟ هل رأينا غامديا واحدا بين الجماعة الإسلامية التي قتلت الأبرياء بالرسوخ في الدين وعادت للمراجعات بالرسوخ في الدين، معترفين بخطئهم في الفهم الأول الدموي ودون أن يعيدوا للقتلى حياتهم بالفهم الثاني؟ لماذا لم يفعل أحدهم فعل ماعز أو الغامدية؟ أم أن الأحكام عند المشايخ تجب فقط على غيرهم من الرعية ولا تنطبق عليهم لأنهم السادة المسلمون وحدهم؟ إن العدل هو أن يبدأ السائل والمسئول بنفسيهما لنتأكد أن إيمانهما ليس إيمان مستوى معيشي رفيع أو نفع دنيوي أو كرسي منصب، وإنما إيمان يؤمن به القلب ويصدقه العمل والفعل وليس الخطابة الرنانة والكراسي الفخمية ودنانير الفضائيات وبيزنس كل ألوان الإسلام السياسي. فهلا سمعنا قريبا من رجل دين مخلص لإيمانه يطلب من الحاكم أن يقطع يده، أو يجلده أو يرجمه؟! أم أن جميع رجال الدين هم من المعصومين من الخطأ والذنوب وبقية المسلمين هم من الخطائين؛ لذلك يملكون حق الدوس على رقاب الناس يسبون هذا ويلعنون ذاك ويطردون آخر من رحمة الله، وكأن جنات عدن قد أصبحت عزبة خاصة بهم يملكون وحدهم مفاتيحها، أبدا والله لا نصدقكم، ولا تقبل أحكامكم على عباد الله، ولا نصدق غيرتكم على إسلامنا، حتى نرى من بينكم غامديا جديدا، أو لتكتفوا بمغانمكم، وتصمتوا وتخرسوا وتخرجوا من دماغ الأمة، حتى تصح وتتعافى وتلحق بأشقائها في الإنسانية، حيث نور العلم والحقوق وإشعاع الحضارة القاتل لجراثيم التخلف وعفن المقبورين.

الفصل السابع

أوباما

تحليل الخطاب وردود الفعل

آثرت الانتظار حتى تهدأ توابع الهزة التي أحدثها خطاب أوباما وتزول الدهشة وردود الفعل الأولى وازدحام وجهات النظر أخذا وردا، موافقة وتنديدا. وقبل أي تحليل أو تفكيك لعناصر الخطاب الأوبامي، يجب ألا ننسى أن دور الرئيس الأمريكي في المنظومة الإدارية الأمريكية هو أحد الأدوار وليس كلها وربما ليس أهمها، وأنه لا يستطيع أن يخرج على قواعد التكتيك والاستراتيجية التي تساهم فيها مؤسسات وهيئات هذه المنظومة، ولا يكفي تأثيره بمفرده لتغيير قاعدة واحدة من قواعد اللعبة السياسية والإدارية، أو حتى مجرد التفكير في ذلك.

وأيضا لا بد من الاعتراف بأن أوباما خطيب من نوع نادر، لاختياره الدقيق للغة هذا الخطاب التصالحية مع الظهور بتواضع جم، بما يلمس أوتارنا العاطفية ويدغدغ وجداننا، باستخدام آيات قرآنية بما يعني أن الرجل يفهمنا ويعرفنا حق المعرفة ويعرف طريقتنا في التفكير ويعلم سلفا أننا أقوال دون أفعال، وعواطف يختفي معها العقل المنطقي وتضيع المصالح، رجل عرف لغونا وكيف يلغو لنا بكلام يوافق هوانا.

وكثيرا ما تمنى صاحب هذا القلم سد الفجوة في الفهم بين المسلمين والعرب من جانب وبين الغرب من جانب آخر، خاصة بعد لقائي بعد سبتمبر 2001م أكثر من مسئول غربي رفيع المستوى، وهي اللقاءات التي أشعرتني بمدى خطورة هذه الفجوة، فلا هم يفهموننا ولا نحن نفهمهم، كما لو كنا نوعين مختلفين من البشر سلاليا وعرقيا وعقليا. تمنيت أن يستطيع الغرب وخاصة الأمريكي أن يفهم أن لنا لغة خاصة في فهم الدنيا، وردود فعل من نوع خاص، وأن دلالة اللفظ عندنا لا تحتوي على دلالة اللفظ نفسها عندهم، وأن ما يحمله التعبير اللفظي من تاريخ ومحتوى معان تعود بتحميل دلالاتها إلى مدى يزيد عن أربعة عشر قرنا للوراء، وأن ذلك ما يزال حيا في فهمنا ولغتنا ومنطقنا البدوي البدائي العاطفي، ويختلف بالمرة عن تاريخية اللفظ نفسه ودلالته عندهم، وشرحت هذا باستفاضة في محاضرتي عام 2006م بمعهد هدسون بواشنطن دي سي، وهو واجهة لوزارة الخارجية الأمريكية لتقصي آراء المفكرين والعلماء والرؤساء والمتخصصين والخبراء وغيرهم في مختلف القضايا التي تشغل الرأي العام العالمي.

وتمنيت أن يحدث ذلك أيضا من جانبنا؛ لذلك كانت سلسلة كتاباتي المتتالية لمحاولة شرح وتوضيح كيف نفكر وكيف ينبغي أن نفكر إذا أردنا لهذا الغرب أن يفهمنا ويتفاعل مع قضايانا بثقة. لنستطيع أن نخاطبه بلغة متفق على دلالتها سلفا حتى يكون الحوار مفهوما. وتكون لدلالة اللفظ عندي المعاني ذاتها عنده، وأن مبادئ المنطق التي يحتكم إليها هي مبادئ المنطق ذاتها التي أحتكم إليها؛ لأن مسألة الفهم هذه وتلك تعاني خللا حادا بين عالم العرب والمسلمين وبين الحضارة الغربية، وهو خلل تاريخي تحدث به الركبان حتى قيل مع اليأس من التفاهم في المثل السائر «الغرب غرب والشرق شرق كحركة الشمس ليلا ونهارا لا يلتقيان.»

صفحة غير معروفة