انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح

سيد القمني ت. 1443 هجري
148

انتكاسة المسلمين إلى الوثنية: التشخيص قبل الإصلاح

تصانيف

يا عينك يا مولانا!

يا جبايرك يا مفتي الديار!

كان جديرا بالسائل والمسئول اللذين يبكيان مال المسلمين، أن يقيما مندبة على الصدقات والتبرعات والزكاة التي يدفعها الصالحون سرا وطوعا وحبا في أداء حقوق الله، فلا نعلم كيف تذهب لتفخيخ السيارات وقتل الأبرياء وتشويه سمعة الإسلام وتجريسنا عالميا بمخاز ضد الإنسانية، لا أن يبكيا جائزة لباحث لتفوقه العلمي الذي يسهم به لنهضة وطنه وأهله في هذا الوطن.

إنهم يشترون للإسلام بمال المسلمين مذمة الإرهاب بمليارات تصرف للتخطيط والتدريب وشراء الأسلحة والخبراء والتخفي والانتقال عبر البلدان وشراء سيارات التفخيخ وإعالة أسر الانتحاريين ... إلخ. إن جائزتي كانت من مال ضرائب مختلف شرائح الشعب المصري مسلمين ومسيحيين وبهائيين وقاديانيين وشيعة وسنة ولا دينيين، من المال الطاهر الذي لا يزكي نفسه بتزيين الطريق إلى الله بدماء الأبرياء، إنما يجمع ضرائب تصرف لمصلحة الوطن والمواطنين.

إن معركتهم من أجل بيت مال المسلمين تذكرنا بأحداث تسوءنا، فبينما سيد القمني لم يسرق من هذا البيت حتى يهبوا له هذه الهبة المضرية، فإن هذا البيت قد تقاتل عليه الصحابة رضي الله عنهم، فلم يكتبوا كلاما لا يرضي ذوق مولانا، إنما قتلوا خليفتهم سيدهم عثمان رضي الله عنه، وكان على رأس المتآمرين والقتلة سيدهم محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، لعدم عدله رضي الله عن في توزيع الغنائم والفيوء، ومن أجل هذا البيت والسلطان أمر سيدهم معاوية رضي الله عنه بقتل الحسن الحفيد النبوي عليه السلام بالسم، كما أمر أيضا بقتل سيدهم محمد بن أبي بكر رضي الله عنه ثم حرقوه في جوف حمار ميت، كذلك قام سيدهم يزيد بن معاوية رضي الله عنه بقتل الحفيد النبوي الثاني الحسين عليه السلام والقضاء على البذرة النبوية المطهرة، وقبلهم حاربت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ثم فتنة سيدهم ابن الزبير رضي الله عنه وحرق الكعبة المشرفة، ووقعة الحرة المخزية التي حبلت فيها ألف عذراء من بنات الصحابة رضي الله عنهم بقرار وفعل صحابة آخرين رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذه الويلات كما نعرف جميعا في صحاح تواريخنا كانت من أجل السلطة ومال بيت المال المنهوب من السادة الكبار، ولا يصح هنا القول إن أيامهم كان كل منهم يحارب الآخر في سبيل الله؛ لأنه ما يعني أن الطرف الآخر كافر، بينما كلاهما (القاتل والمقتول) صحابة كرام رضي الله عنهم أجمعين.

زمن الخليفة عمر رضي الله عنه تمت سرقة بيت المال من الخزان أنفسهم وكلهم صحابة رضي الله عنهم، ومن ثبت عليه ذلك كان الخليفة عمر رضي الله عنه يعاقبه بمصادرة نصف ما أخذ (يشاطره إياه)، وممن شاطرهم الخليفة: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه وأبو هريرة رضي الله عنه والحارث بن كعب رضي الله عنه وعمرو بن العاص رضي الله عنه، متهما إياهم بأنهم «يجمعون العار ويأكلون الحرام ويورثون النار» بسرقتهم مال الله، يقول أبو هريرة: «ولما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله.»

فالمفتي والمستفتي لا يريان هذه العظائم، بل يأمراننا بتقديس كل من رأى الرسول ولو لحظة لأنه صحابي ولذلك هم أسيادنا! ويقفون مع جائزة العبد الفقير إلى الله منادين بالويل والثبور وعظائم الأمور، أم تراهما يخوضان كل هذه المعركة اقتداء بالخليفة عمر رضي الله عنه ليتمكنا من مشاطرتي الجائزة وأخذ نصفها مني؟ سيكون هذا جائزا لو كنت سارقا، لكني للأسف لم أسرق فلا تجوز لهما المشاطرة حسب قوانين شرعنا، فعلى مستوى الشريعة الإسلامية لا يجوز لهما مجرد طلب رد قيمة الجائزة ولو كانت من بيت مال المسلمين.

إن خزان بيت المسلمين الكرام هم من سرقوه، وضبطوا متلبسين وقبلوا غرم المشاطرة والعزل اعترافا عمليا منهم بارتكاب الجرم، وأنا سادتي لم أسرق أحدا، ولو كان زمن الخليفة عمر توجد معرفة بضرورة تشكيل اللجان الفاحصة لأعمال الولاة، مثل اللجنة التي فحصت أعمالي، لما تمكن الخازن من السرقة؛ لذلك فأي سرقة وفساد في أيامنا هو أقل مما كان يحدث في زمننا الذهبي الماضي بما لا يقارن، لوجود آليات المراقبة والمحاسبة، ناهيك عن الفضح الإعلامي بكل صنوفه، وإذا ما أراد السائل والمسئول استرداد جائزتي فلنسمع منهم فتوى أولى تأسيسية بشأن الخزنة التاريخيين لبيت مال المسلمين، وحكمهم بشأن الدم المسفوك طوال تاريخنا الأسود اقتتالا على حيازة بيت مال المسلمين، حتى نصدق تحريهم للعدل أساس الدين والملك. •••

لا شك أن المفتي الدكتور علي جمعة بكل ما لديه من علم بالدين كمرجعية عليا في شئون هذا الدين، يعلم ما نعلمه من بسائط هذا الدين، فنحن نعلم أن نظام القضاء الإسلامي يقوم على ركن أساسي تفسد بدونه أي قضية ويمتنع مع عدم وجوده إصدار أي أحكام، وهذا الركن الركين هو نظام الشهود، حتى أنه وضع لهذا النظام شروطا واضحة لم تترك شاردة ولا واردة سواء في صفات الشهود أو علمهم أو عددهم أو سلامة حواسهم وذلك لضمان تحقيق العدالة. فالشهادة هي الركن الركين في تشريعنا، صيام مليار مسلم مرهون بشهادة اثنين من المسلمين، إن الله بجلال علمه الكلي يعمل في حساب يوم البعث بنظام الشهود لتأكيد هذا الركن العظيم في القضاء الإسلامي، يوم الحساب لو راودتك نفسك الكذب تشهد عليك أعضاء جسدك، الشكوى لو كانت في دوار العمدة في ريفنا الصعيدي وليس في دار الإفتاء بجلال قدرها، لطلب العمدة الشهود والأدلة.

وفي الموضوع الذي نظره المفتي يوجد عدد كبير من الشهود هم أعضاء اللجنة الفاحصة بوزارة الثقافة من خيرة أبناء الأمة المصرية، والتي صوتت لمصلحة منحي الجائزة، وأقرت استحقاق صاحبها للتقدير من جانب الدولة كباحث علمي حر لا منتم، فهل استمع صاحب الفضيلة إلى هؤلاء الشهود وناقشهم احتراما منه لشروط الشريعة الإسلامية؟ كلا، لم يفعل! فهل طلب المفتي الكتب موضوع التكفير ليطلع على ما فيها من وثائق قبل أن يصدر حكمه؟ كلا، لم يفعل! هل سبق أن عرف مجتمع أحكاما تصدر بدون جسم جريمة وبدون أدلة وبدون شهود، كلا لم يحدث! أحكاما تؤدي إلى الفتن المجتمعية وتهدد السلم الوطني، ناهيك عن تدميرها لسمعة مسلم حسن الإسلام ، والتعرض له ولأهله بالأذى والقسوة من المجتمع، في محاكمة تقوم فقط على الثقة المتبادلة بين الشاكي وبين القاضي؟ كلا لم يفعل مجتمع إنساني هذا. كلا لم يعهد تاريخ الإنسانية كله بحث مصائر الناس بالفتاوى، حتى الشعوب البدائية كانت تصدر قراراتها بشكل جماعي بمجلس النخبة أو القبيلة أو الصفوة، بعد بحث الموضوع من جوانبه كافة وسماع جميع وجهات النظر، حتى زمن الجاهلية كان لديهم الملأ ودار الندوة، إن دار الإفتاء بريادة علي جمعة عادت بنا إلى ما قبل الزمن الجاهلي بأزمان. إن الإنسانية لم تعهد الفرمانات الصارمة المدمرة إلا مع شخصيات تأخذ في تاريخ البشرية أسوأ المواقع لما أدت إليه من ويلات وحروب وكوارث من هولاكو إلى هتلر إلى صدام حسين، إلى مولانا!

صفحة غير معروفة